السؤال
لدى صديقي مشكلة: أنه يعيش في مجتمع عربي قبلي، وهو من قبيلة ينظر لها بالدونية وأنها أحط شأنا، فيحاول صاحبنا أن ينفي انتماءه لهذه القبيلة، وحيث يساعده في ذلك شكله الذي لا يشبه أفراد هذه القبيلة. ومشكلته اسم العائلة الذي يشير إلى انتمائه لهذه القبيلة باسم عام مثل محمد. وسألني النصح؛ هل ترون أنه يجوز له شرعا تغيير اسم العائلة من أجل أبنائه وليستريح من هذا التصرف المتخلف في مجتمعه؟ أم ماذا يفعل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن المعيار الذي جعله الله سبحانه لولايته ومحبته وإكرامه للعباد هو معيار الإيمان والتقوى كما قال تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون {يونس:62-63} . وأكرم الناس هم أتقاهم من أي قبيلة كانوا كما قال تعالى: إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير {الحجرات: 13}.
والتفاخر بالأحساب من أمور الجاهلية كما قال صلى الله عليه وسلم: أربع فى أمتى من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر فى الأحساب، والطعن فى الأنساب... الحديث. رواه مسلم.
قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح: ومعنى الفخر في الأحساب هو التكبر والتعظم بعد مناقبه ومآثر آبائه، وهذا يستلزم تفضيل الرجل نفسه على غيره ليحقره، وهو لا يجوز، وفي الحديث: كرم الرجل دينه وحسبه وخلقه ، وفي ذلك نفي ما كان عليه أهل الجاهلية، وفيه تنبيه على أن الحسب الذي يحمد به الإنسان ما تحلى به من خصال الخير في نفسه لا ما يعده من مفاخره ومآثر آبائه. والطعن في الأنساب أي إدخال العيب في أنساب الناس ، وذلك يستلزم تحقير الرجل آباء غيره، وتفضيل آبائه على آباء غيره ، وهو ممنوع. انتهى.
والأصل أن تكون المحبة والموالاة للمؤمنين بغض النظر عن أصولهم، لأن الميزان الشرعي هو التقوى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق في حجة الوداع : يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى. رواه أحمد وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
والمشروع في الانتساب للقبيلة هو التعريف لا الفخر والبغي على الغير بنسبه وقبيلته، فهذه كلها من أعمال الجاهلية، ولقد صدق من قال:
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه * فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس * وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب
فما ذكره السائل في سؤاله من احتقار قبيلة صاحبه والحط من شأن من انتسب إليها كل ذلك من أمور الجاهلية التي لا تجوز في الإسلام، كما بينا في الفتوى رقم: 28057.
ومع هذا كله فلا يجوز أن يقابل هذا المنكر بمنكر آخر وهو التبرؤ من نسب الإنسان وتغيير اسم عائلته، والانتساب إلى غيرها، فإن ذلك من كبائر الذنوب ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام. رواه البخاري ومسلم.
قال المناوي في فيض القدير: أي من رغب عن أبيه والتحق بغيره تركا للأدنى ورغبة في الأعلى أو خوفا من الإقرار بنسبه أو تقربا لغيره بالانتماء أو غير ذلك من الأغراض. انتهى.
وقال ابن دقيق العيد في كتابه إحكام الأحكام في شرح حديث أبي ذر رضي الله عنه: ليس من رجل ادعى لغير أبيه ... الحديث، يدل على تحريم الانتفاء من النسب المعروف، والاعتزاء إلى نسب غيره، ولا شك أن ذلك كبيرة لما يتعلق به من المفاسد العظيمة. انتهى. ولمزيد من الفائدة راجع الفتاوى التالية أرقامها: 58829، 32867.
وعلى صاحبك أن يصبر ويتقي الله عز وجل، وليبحث عن حلول أخرى تكون مباحة، كالانتقال لمكان آخر إن لم يصبر على إقامته في مكانه.
والله أعلم.