مغالطات منكرة وقيبحة حول آدم عليه السلام

0 374

السؤال

يا شيخنا الفاضل ما رأيك في هذه المقالة:
أن يكون الواحد رجلا. عبد الدائم السلامي:
لن نكون أكثر حكمة من جدنا آدم مهما وفر لنا العصر من تقانة وفلسفات. أظن آدم كان رجلا يعرف مدى سوء عاقبة علاقته العاطفية بحواء إن هو عصى أمرها ولوى العصا في يدها. لذلك فقد أقبل على التفاحة يأكلها وهو عالم بأنه يعصي أمر خالقه لإرضاء امرأته، بل ويعرف أنه خارج من الجنة وهابط أرضا تنبت أشجار الشر وتمطر سماؤها ذئابا. لن نكون أكثر حكمة من آدم، ولن نكون أكثر منه إقداما على الفعل وتحمل نواتجه الإنسانية والتاريخية. ولذا، فإني لن أقبل من أحد ادعاءه بامتلاك زمام أموره الخاصة والعامة في هذا العصر دون أن تكون زوجته هي التي تقوده بشكيمة القوانين الحديثة صوب ما تشتهي له أن يبلغ من مآرب في الأرض وأخرى في السماء.
***
أن يكون الواحد رجلا أمر يتطلب منه صبرا على المكاره طويلا. في هذا الزمن العربي، لا يستطيع أي منا أن يحصل على شهادة تثبت رجولته في معناها العام-وهي شهادة تمنحها المرأة مرة في الألفية لرجل واحد من ألف- إلا متى كان مجيدا لفنون الطاعة، بريئا من اتخاذ القرارات المصيرية، عاجزا عن حك رأسه إلا بعد مشورة ربة بيته. بل إن الرجل الرجل في وقتنا هذا، هو ذاك الكائن الذي يجيد الطبخ وتنظيف بيت طاعته، وغسل الملابس الداخلية لحرمه بيديه، ويجيد التطبيل لها والتزمير في حضرتها، والتصفيق في غيابها حين تهيج فيها رغبة الرقص خارج البيت، فيظل يصفق في الشرق وهي ترقص في الغرب. وبقدر ما تطول المسافة ما بين الشرق والغرب بقدر ما تزيد رجولة الرجل، ويحق له، حينئذ، التباهي بنفسه وسط مجتمع الرجال الافتراضيين.
***
في هذا الزمن، من الوارد أن نسمع خبرا عن ظهور جمعية تنتمي إلى فئة جمعيات المجتمع المدني الذي أسست له أدبيات العولمة، وتعبر عنه تعبيرا صادقا. ويكون أعضاء هذه الجمعية من الذكور الذين عرفوا أقدارهم بعد أن قدروا حقيقة ظروفهم المعيشة، وامتنع عليهم التقادر مع نسائهم فنبذوا القدرية وأوكلوا شؤون رجولتهم بنات حواء، ويكون شعارها مثلا :من لا يخاف زوجته ليس رجلا. وينظمون مؤتمرات فكرية دولية فيها موائد مستديرة يحاضر فيها المختصون في الرجولة الحديثة، ويخرجون بإعلان عالمي تتناقله الفضائيات يدعو إلى ضرورة تبادل الأدوار بين الإناث والذكور للقضاء على الإرهاب الدولي وقمع حركات التمرد العاطفية.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يخفى ما يحمله هذا المقال من مغالطات منكرة، سواء من الناحية الشرعية أو الواقعية أو الاجتماعية، فمن هذا المغالطات، حديثه عن آدم عليه السلام بطريقة لا تليق بحكماء البشر فضلا عن أنبيائهم، فإن آدم عليه السلام نبي رسول، كما سبق التنبيه عليه في الفتويين: 62359، 1711.

ثم إنه علل معصية آدم بعلاقته العاطفية بحواء !! وزاد الطين بلة حينما قال: لذلك فقد أقبل على التفاحة يأكلها وهو عالم بأنه يعصي أمر خالقه لإرضاء امرأته، بل ويعرف أنه خارج من الجنة. وفي هذا مخالفة فجة للثابت من قصة آدم عليه السلام في القرآن المجيد، فالقرآن نص على أن إبليس هو الذي زين الأكل لآدم، وغره بخداعه وكذبه، وأن آدم عليه السلام قد نسي عهد الله، قال تعالى: فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه .{البقرة: 36}. وقال سبحانه: فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين * فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين * قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.  {الأعراف: 20-23}. وقال عز وجل: فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى* فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى. {طه: 120-121}.

فقول صاحب المقال: وهو عالم بأنه يعصي أمر خالقه لإرضاء امرأته. مجازفة عمياء، وقد قال تعالى: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما. {طه: 115}.

 قال ابن عباس: إنما سمي الإنسان لأنه عهد إليه فنسي. اهـ.

وقال البغوي: إن قيل: أتقولون إن آدم كان ناسيا لأمر الله حين أكل من الشجرة؟ قيل: يجوز أن يكون نسي أمره، ولم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعا عن الإنسان، بل كان مؤاخذا به، وإنما رفع عنا. وقيل: نسي عقوبة الله وظن أنه نهي تنزيها. اهـ.

 وقد سبق لنا ذكر بعض الحقائق المهمة حول ذنب آدم وحواء عليهما السلام، في الفتوى رقم: 12519. فليرجع إليها.

ومن هذه المغالطات أيضا دندنته حول مكانة المرأة بالنسبة للرجل، وأنها هي التي تقوده وتوجهه وتحكم فيه، حتى يصرح بضرورة تبادل الأدوار بين الإناث والذكور.

أما شريعة الله تعالى فالقاعدة فيها هي قوله تعالى: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا. {النساء:34}.

فالقوامة إنما هي للرجل، فهو مسؤول عن امرأته أمام الله تعالى؛ كما قال عز وجل: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة. {التحريم: 6}.

 وقال صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته. والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم. رواه البخاري ومسلم.

 وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع ؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته. رواه النسائي في السنن الكبرى، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.

فأين هذا من قول صاحب هذا المقال الهابط: إن الرجل الرجل في وقتنا هذا، هو ذاك الكائن الذي يجيد الطبخ وتنظيف بيت طاعته وغسل الملابس.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة