الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل في إعاقة الأبناء دليل على عدم صلاح الآباء؟

السؤال

هل وجود طفل معاق يدل على أننا لسنا أشخاصًا صالحين، وأنه عقاب على ذنوبنا -مثل قصة سليمان عليه السلام عندما نسي أن يقول: "إن شاء الله"-؟ وهل ورد في السيرة أن بعض الأنبياء أو الصحابة ابتلاهم الله بطفل معاق؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا ريب أن وجود ابن معاق لا يقتضي بالضرورة أن الوالدين غير صالحين، ولا أن ذلك عقاب للوالدين على ذنوبهم، وانظر الفتوى: 75670.

واعلم أن الابتلاء بالمصائب له أسباب متنوعة، وحكم متعددة، وليس عقوبة ومقابلة على الذنوب والمعاصي فحسب؛ فقد يكون تمحيصًا، وتطهيرًا، وتكفيرًا للسيئات، وقد تقع المصائب بالعبد رفعة لدرجاته، وانظر الفتوى: 394033.

والذي ينبغي أن يهتمّ به الوالدان هو: تلقي المقدور بالصبر، والاحتساب، والرضا، وأن يجتهدا في الإحسان إلى هذا الابن؛ رجاء ثواب الله سبحانه، وأن يجتنبا السخط والجزع على المقدور، وأن يحذرا الإساءة إلى الابن المعاق.

وأما قصة نبي الله سليمان -عليه السلام- كما في الصحيحين: عن أبي هريرة قال: قال سليمان بن داود -عليهما السلام-: لأطوفنّ الليلة بمائة امرأة، تلد كل امرأة غلامًا يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك: قل: إن شاء الله، فلم يقل، ونسي؛ فأطاف بهن، ولم تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قال: ‌إن ‌شاء ‌الله، ‌لم ‌يحنث، وكان أرجى لحاجته.

فالظن بأنه عقاب على ذنب، تخرّص، لا دليل عليه، ويُخشَى أن تكون فيه جرأة منافية للأدب مع مقام الأنبياء، فهو عليه السلام قد نسي، كما هو صريح الحديث، والنسيان لا مؤاخذة به، إضافة إلى أن قول: (إن شاء الله) لما يراد فعله، ليس واجبًا أصلًا.

وقد جعل بعض العلماء ما وقع لسليمان -عليه السلام- من باب العتاب الذي يخص به الأنبياء؛ لرفيع مقامهم عند الله، جاء في المفهم للقرطبي: و (قوله: قل: إن شاء الله)، هذا تذكير له بأن يقول بلسانه، لا أنه غفل عن التفويض إلى الله تعالى بقلبه؛ فإن ذلك بعيدٌ على الأنبياء، وغير لائق بمناصبهم الرفيعة، ومعارفهم المتوالية.

وإنَّما هذا كما قد اتّفق لنبينا صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرُّوح، والخضر، وذي القرنين؛ فوعدهم بأن يأتي بالجواب غدًا، جازمًا بما عنده من معرفته بالله تعالى، وصدق وعده في تصديقه، وإظهار كلمته، لكنه ذهل عن النطق بكلمة: (إن شاء الله)، لا عن التفويض إلى الله تعالى بقلبه، فأُدِّب بأن تأخر الوحي عنه؛ حتى رموه بالتكذيب لأجلها.

ثم إن الله تعالى علَّمه وأدَّبه بقوله: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَن يَشَاءَ اللَّهُ}، فكان بعد ذلك يستعمل هذه الكلمة حتى في الواجب، وهذا لعلوِّ مناصب الأنبياء، وكمال معرفتهم بالله تعالى، يناقشون، ويعاتبون على ما لا يعاتب عليه غيرهم، كما قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق لوط: (ويرحم الله لوطًا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد)، عتب عليه نطقه بكلمة، يسوغ لغيره أن ينطق به.

(قوله: فلم يقل، ونسي)، أي: لم ينطق بتلك الكلمة ذهولًا ونسيانًا، أنساه الله تعالى إيَّاها؛ لينفذ قدر الله تعالى الذي سبق به علمه، من جعل ذلك النسيان سببًا لعدم وقوع ما تمنَّاه، وقصده سليمان عليه السلام. اهـ.

تنبيه: الحديث ليس فيه أن نصف الإنسان ولد حيًّا، قال ابن عاشور في تفسيره: ولد ميتًا، كما هو ظاهر قوله: "شق رجل"... والخبر لم يقتض أن الشق الذي ولدته المرأة كان حيًّا. اهـ.

وأما سؤالك: (وهل ورد في السيرة أن بعض الأنبياء أو الصحابة ابتلاهم الله بطفل معاق؟)، فهذا بحث تاريخي، وليس مما يتعلق به حكم شرعي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني