الصبر وحل الخلافات إن أمكن خير من الطلاق

0 188

السؤال

أنا فتاة تونسية ارتديت الحجاب وعمري 19 سنة، درست في مجال الهندسة وتخرجت مهندسة في مجال الإعلام، كان كل همي أثناء دراستي أن أخدم ديني، وحتى المشاريع التي أقوم بها نيتي فيها أن أخدم الإسلام.
كنت أصغر من تحجب في وسطي العائلي، وشيئا فشيئا كثر عدد المحجبات والحمد لله. المهم كان كل أملي أن أكون امرأة صالحة، كنت أقوم الليل، وأتحرى الصحبة الصالحة. لدي عيوبي من بينها العصبية، ولكني لا أحمل حقدا وأعود لصوابي.
تقدم لخطبتي شبان، ولكني كنت أبحث عن ذي الخلق والدين، لا يهمني إن كان يمتلك سيارة أو منزلا المهم هو الخلق والدين .
في سنة التخرج تقدم لخطبتي شاب أكبر مني بـ 3 سنوات، وصدفة كان قد درس في نفس كليتي، وهو مهندس في الإعلام أيضا، تعرفنا على بعضنا، وتراسلنا بالانترنت حتى لا يراني ولا يسمع صوتي، ويكون الحوار خاليا من الفتن، ثم أتى إلى منزلنا، الملخص: أنه حصل التوافق و تم الزواج، وحرصنا أثناء الخطوبة على الابتعاد عن الفتن وتم الزواج دون اختلاط، أنا كنت قد بينت له في حوار أنني أحب أن أكون زوجة صالحة، ويمكن أن أجلس في البيت لإرضاء زوجي وتلبية رغباته، وهو أكد لي أنني يمكن أن أشتغل في البيت في مجال البرمجة، وبعد الزواج تحديت عائلتي وجميع من أعرف، وجلست في المنزل رغبة مني في الابتعاد عن كل ما يقلق زوجي.
أنا عندما تزوجت لم أكن أعرف شيئا عن شؤون المنزل، وهو كان يعرف هذا قبل الزواج، ولكنه كان يظن أني سرعان ما سوف أتعلم وأصبح كما يريد، وكان لا يحتمل أن يراني أخطئ، وكانت مرحلة صعبة علي وحصلت العديد من المشاكل .
المهم جلست في البيت لتلبية رغبته، ولم أستطع التوفيق بين المنزل والعمل في البيت في مجال البرمجة، فهو يرفض أن يأتي لي بعاملة تساعدني في شؤون البيت، ومع دقة ملاحظته وتدخله في كل كبيرة و صغيرة، أصبحت أشعر بالملل، وليست لي حتى رغبة في القيام بأي شيء.
المشكلة أنني الآن وبعد عام من الزواج، أصبحت لا أطيق الجلوس في البيت، مع العلم أن زوجي يسيء معاملتي أحيانا، ويصيح لأتفه الأسباب، وأنا أحس بالعصبية والحزن الشديدين؛ لأنني كنت أتوسم فيه الخير، ولكن طباعه صعبة جدا، وفي أي شيء له ملاحظة، وأحيانا كثيرة أوقظه لصلاة الفجر ولا يستيقظ، فأزيد توترا وصل به الأمر إلى ضربي لأنني في بعض الأحيان أفقد أعصابي، وأقول له كرهتك مثلا، أو لم أعد أطيق الحياة معك.
منذ أن تزوجنا ونحن نعاني من المشاكل، وأنا أصبحت أحس بضغوط عديدة نتيجة جلوسي في البيت وطباعه الحادة، ثم إني كافحت منذ زواجي لإقناع أهلي ببقائي في البيت، فهم غير راضين. أنا كنت متفوقة في دراستي، أنا في هذه الفترة حامل، والمشاكل كالعادة موجودة، فهو لا يحاول حتى مراعاة مشاعري أو تقدير ظروفي، بل إنه إذا رأى أي عيب لا بد من أن يبدي ملاحظاته التي لم أعد أطيقها، طلبت منه الإذن وأنا الآن في منزل أهلي و يعرف أني مريضة، لم يكلف نفسه حتى ليسأل عني عندما هاتفته، وقلت له لماذا لا تسأل عني؟ قال لي انتظرت أن تهاتفيني أنت. جرحني بكثير من العبارات، وتحملت حدة طباعه وتعاليقه الفارغة التي لا تمس لأمور الدين بطرف. أظن أن جلوسي في البيت قد زاد الأمر تعقيدا لأنني لم أعد أحتمل.
هل إني إذا خرجت للعمل مع العلم أنه ليس لدينا عمل غير مختلط، وأن زوجي يمكن أن لا يرضى عن خروجي للعمل أكون آثمة؟ أو أن أطلب الطلاق. أرجوكم دلوني على حل أنا أحس أني لا أستطيع مواصلة حياتي هكذا، و منذ الزواج لم أحقق أي هدف من أهدافي التي كنت أطمح لها، سوى أني أدرس علم التجويد سنة أولى، و لكني لم أجد ما كنت أنتظر من زوجي. مع العلم أني أطيعه في كل شيء غير أني أحيانا أحس أني لم أعد أستطيع التحمل، وتكثر حولي الضغوطات فأصيح في وجهه، وهنا تحصل الكارثة فهو لا يقبل ذلك أبدا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى أن يعافيك في دينك ودنياك، وأن يجمع بينك وبين زوجك على خير، وأن يصلح بالكم.

أما بالنسبة لخروجك للعمل بغير إذن زوجك فلا يجوز، جاء في الموسوعة الفقهية: للمرأة الحق في العمل بشرط إذن الزوج للخروج .. ويسقط حقه في الإذن إذا امتنع عن الإنفاق عليها. اهـ.

وفيها أيضا: إذا كانت المرأة متزوجة فإنها ترتبط في خروجها من المنزل بإذن زوجها لأن حق الزوج واجب، فلا يجوز تركه بما ليس بواجب، وخروج الزوجة من غير إذن زوجها يجعلها ناشزا، ويسقط حقها في النفقة في الجملة اهـ.

وقد سبق بيان ذلك وكلام أهل العلم فيه، في الفتوى رقم: 38490.

ثم إن الأصل في عمل المرأة في مكان يختلط فيه الرجال بالنساء هو المنع، إلا إذا دعت الضرورة لذلك، ولم تجد المرأة وسيلة للنفقة على نفسها وأولادها أو أبويها غيره، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 3859 ، 65401 ، 20388 ، 22513.

أما بالنسبة لطلب الطلاق فننصحك باستبعاد هذه الفكرة، والاجتهاد في إصلاح حال زوجك بالصبر والحكمة والرفق واللين، واعلمي ـ أختي الكريمة ـ أن الطلاق في أكثر الأحيان لا يأتي بخير، ولا يحصل منه نفع، خاصة وأنت حامل، ومن حق هذا الطفل أن يرعاه والداه في رباط أسري متين ومطمئن، فحاولي التغلب على ما يعرض لك من إشكالات حسية أو معنوية مع زوجك، وذلك برد الإساءة بالحسنى والصبرالجميل، وتدبري قول الله تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم  {فصلت:34-36}.

 ولا تنسي قوله سبحانه: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة: 216}. وقوله عز وجل: فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا {النساء: 19}. فكم من امرأة صبرت على أذى زوجها فبدل الله حاله إلى أحسن حال، ورزقها منه الذرية الطيبة الصالحة.

ثم من المعلوم أن كل إنسان فيه شيء من العيوب، فابدئي أنت بنفسك وأصلحي ما فيها من عيوب بقدر طاقتك، فإن ذلك سيعينك على إصلاح زوجك إن شاء الله.

وقد سبق لنا بيان الطريقة الشرعية لحل الخلاف بين الزوجين، وتقديم بعض النصائح للزوجة قبل اللجوء للطلاق، في الفتوى رقم: 5291 ، كما سبق أن بينا الحالات التي يشرع للمرأة فيها أن تطلب الطلاق في الفتوى رقم: 37112.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة