السؤال
هل بإمكان الزوج أن يؤم زوجته أي يصلي بها في السنن الرواتب مثل سنة الفجر- الرغيبة- وسنة الظهر، و العصر، والمغرب، والعشاء، الشفع والوتر؟
سمعت أن صلاة السنن الرواتب في البيت أفضل من المسجد. فهل إن صليتها في المسجد يكون هذا الفعل مكروها؟ وهل الأفضلية من ناحية الأجر؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الأصل في السنن الرواتب أن تصلى فرادى، ولا تشرع المدوامة على صلاتها في الجماعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه كان يعتاد ذلك لا بأزواجه ولا بغيرهن، وانظر الفتويين: 31760، 66799.
ولو فعل ذلك أحيانا لم يمتنع، ولشيخ الإسلام كلام حسن في هذه المسألة، فقد قال رحمه الله مبينا متى تشرع الجماعة في النوافل ومتى لا تشرع: صلاة التطوع في جماعة نوعان : أحدهما : ما تسن له الجماعة الراتبة كالكسوف، والاستسقاء، وقيام رمضان، فهذا يفعل في الجماعة دائما كما مضت به السنة .
الثاني : ما لا تسن له الجماعة الراتبة كقيام الليل، والسنن الرواتب، وصلاة الضحى، وتحية المسجد ونحو ذلك . فهذا إذا فعل جماعة أحيانا جاز . وأما الجماعة الراتبة في ذلك فغير مشروعة بل بدعة مكروهة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لم يكونوا يعتادون الاجتماع للرواتب على ما دون هذا . والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تطوع في ذلك في جماعة قليلة أحيانا فإنه كان يقوم الليل وحده، لكن لما بات ابن عباس عنده صلى معه، وليلة أخرى صلى معه حذيفة، وليلة أخرى صلى معه ابن مسعود، وكذلك صلى عند عتبان بن مالك الأنصاري في مكان يتخذه مصلى صلى معه، وكذلك صلى بأنس وأمه واليتيم . وعامة تطوعاته إنما كان يصليها منفردا. انتهى. وبهذا يتبين لك جواب الشق الأول من سؤالك.
وأما الشق الثاني من السؤال، فلا شك في أن فعل النوافل في البيت أولى من فعلها في المسجد سوى ما تشرع له الجماعة كالكسوف والتراويح، وأما الرواتب وغيرها ففعلها في البيت أفضل، وليس فعلها في المسجد مكروها بل هو جائز، وإن كان خلاف الأفضل، وإذا كان فعل النوافل في البيوت أولى فيلزم من ذلك أنه أكثر أجرا وأعظم مثوبة، ومن أدلة استحباب النوافل في البيوت ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا.
قال النووي رحمه الله: معناه : صلوا فيها ، ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة ، والمراد به : صلاة النافلة ، أي : صلوا النوافل في بيوتكم. وعن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة - قال : حسبت أنه قال : من حصير - في رمضان فصلى فيها ليالي ، فصلى بصلاته ناس من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم ، فقال : قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. متفق عليه.
وعن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن تطوعه فقالت: كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلي بالناس العشاء، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان يصلي ليلا طويلا قائما، وليلا طويلا قاعدا، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين . رواه مسلم ، ونحوه من حديث ابن عمر في الصحيحين .
قال النووي في شرحه: فيه استحباب النوافل الراتبة في البيت كما يستحب فيه غيرها، ولا خلاف في هذا عندنا، وبه قال الجمهور، وسواء عندنا وعندهم راتبة فرائض النهار والليل .
وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده، فليجعل لبيته نصيبا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا. رواه مسلم.
قال المناوي: إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده. : يعني : أدى الفرض في محل الجماعة ، وخص المسجد لأن الغالب إقامتها فيه، فليجعل لبيته. : أي : محل سكنه ، نصيبا. : أي : قسما ، من صلاته: أي : فليجعل الفرض في المسجد والنفل في بيته لتعود بركته على البيت وأهله كما قال: فإن الله تعالى جاعل في بيته من صلاته : أي : من أجلها وبسببها ، خيرا: أي كثيرا عظيما ، لعمارة البيت بذكر الله وطاعته ، وحضور الملائكة ، واستبشارهم ، وما يحصل لأهله من ثواب وبركة. وفيه : أن النفل في البيت أفضل منه في المسجد ولو بالمسجد الحرام. انتهى.
وهذا كله يدل على ما ذكرناه من أن النوافل في البيت أفضل منها في المسجد وأعظم أجرا، وإن كان فعلها في المسجد جائزا. ومن حكمة ذلك أن الصلاة في البيت أخفى وأدعى للإخلاص وأبعد عن الرياء.
والله أعلم.