لا تجوز الإعانة على الربا بأي صورة كانت

0 357

السؤال

أنا أعمل في شركة برمجيات منذ 9 سنوات-أي منذ تخرجي- وهذه الشركة متخصصة للبنوك فقط، ولدينا نظام كامل يتم تسويقه في البنوك ونتعامل مع البنوك الإسلامية - خارج مصر وبالتحديد في السودان - وأخرى ربوية - في مصر والأردن وفلسطين - وأنا منذ بداية التحاقي بالشركة وأنا أعمل في البنوك الإسلامية والحمد لله، وذلك لأن كل المشاريع التي كانت لدينا كانت في ذلك الوقت في دولة السودان ولم أتعامل مع بنك ربوى إلا مرة واحدة في الأردن، ولأني أخاف الله في كل عمل وفعل وأخاف الشبهات فقد سألت بعض العلماء من موقع: إسلام سؤال وجواب. والمشرف عليه فضيلة الدكتور محمد صالح المنجد عن عملي هذا، وقالوا لي: لا يجوز الإعانة على الربا بأي وجه من الوجوه ، كتابة ، أو شهادة ، أو حراسة ، أو برمجة، أو صيانة أجهزة أو غير ذلك من صور الإعانة لقوله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب. والأفضل أن تعمل في البنوك الإسلامية فقط ولا يجب عليك مساعدة البنوك الربوية هذه أبدا ولا حتى بالسؤال، وإلا فاترك المكان وابحث عن عمل غيره. وبعدها طلبت من مديري أن أعمل في البنوك الإسلامية فقط والحمد لله مديري تفهم الموقف ووافق على طلبي، مع أنه دارت مناقشة طويلة في هذا الشأن وأوضح لي بعض الأمثلة مثلا لو موظف داخل البنك مرض وجاء دكتور ليعالجه، فهل معنى هذا أن الدكتور يساعد البنك على الربا أو إذا عطلت الكهرباء وجاء عامل الكهرباء حتى ينير البنك فهل عمل هذا العامل حرام؟ وعمال النظافة وغيرهم وبعدها أرسلت إلى دار الإفتاء المصرية هذه المناقشة وكان ردها باختصار بكلمة واحدة: هذا العمل جائز. ولكنى رجعت إلى مديرى وأكدت له أنني غير مستريح برد دار الإفتاء لأنها لم ترسل لي الأدلة الشرعية على الإجازة وأنني أتمنى أن أعمل للبنوك الإسلامية فقط ووافق المدير على استحياء، ومنذ فترة صغيرة طلب مديري أن أذهب معه إلى البنك الربوي الموجود لدينا بمصر والذي يملك نظامنا هذا، وذهبت معه بالفعل لأني لا أعرف سبب ذهابنا، وعندما عدنا إلى الشركة وعرفت بأنه مشروع جديد طلبت من مديري أن أترك الشركة حتى لا أسبب له الحرج مع شركائه أو حتى مع زملائي لأنني لن أعمل في تلك البنوك مرة أخرى، ولكنه رفض رفضا كبيرا أن أترك الشركة، وأكد لي أنه متمسك بي، وقد وعدني بأني لن أعمل إلا في البنوك الإسلامية فقط، وأنه أخذني معه لأني أعرف النظام جيدا وسوف يستعين بي في بعض الأسئلة فقط. وتفهمت موقفه ولم أفكر في ترك الشركة بعدها لأني أيضا أدين له بالكثير في حياتي الشخصية، ولكن الشركة حاليا لا تملك أي مشروع إسلامي ولديه ثلاث مشاريع في بنوك ربوية، وأنا حاليا ليس لي دور غير صيانة البنوك الإسلامية والتي تملك معنا عقود صيانة وهما بنكان فقط وحجم تعديلاتهم ضئيل-أي لدى من الوقت الكثير- والآن يوجد ثلاثة مشاريع جديدة لبنوك ربوية وسوف يكون زملائي عليهم ضغط عمل، وأنا ليس لدى هذا الضغط فقد طلب مديري أن أعمل في الأنظمة التي ليس لها علاقة بالفوائد والربا والتي هي مشتركة ما بين البنوك الإسلامية والربوية، وإذا أردت أن لا أذهب إلى موقع البنك لتطبيق هذه الأنظمة فإنه لن يمانع ولكني طلبت منه أن أسأل أهل الذكر وأرد عليه. والآتي هي مجموعة من الأسئلة أتمنى من الله أن يوفقكم في الرد عليها ولأني بالفعل أتمنى أن أستريح نفسيا لأني تعبان تعبان إلى أقصى درجة.
أولا : هل عملي في هذه الشركة حرام ؟
ثانيا : هل بالفعل أستطيع أن أعمل الأنظمة الأخرى التي ليس لها علاقة بالفوائد والتي هي مشتركة ما بين البنوك الإسلامية والربوية؟ فقط أحب أن أوضح أن هذه الأنظمة مشتركة بالفعل ولكنها متطلبات البنك الربوي الذي نحن بصدده وليس الإسلامي يعني من الممكن أن لا يستفاد منها البنك الإسلامي؟
ثالثا : هل لو كانت إجابة فضيلتكم في السؤال السابق بنعم هل بعد انتهاء المشروع أذهب إلى البنك الربوي لتطبيق هذه الأنظمة أم لا ؟
رابعا: هل أصمم على عملي للبنوك الإسلامية فقط مهما حصل وإلا فأترك المكان أفضل ؟
أرجو من فضيلتكم أن تجيبوا على أسئلتي بالاستفاضة الكاملة وأن لا تضعني في الاختيار الصعب، بمعنى أن لا تقول لي إنه مباح ولكن من الأفضل أن تعمل في البنوك الإسلامية، أو أن تبحث عن عمل غيره إن أمكن، فأتمنى أن تقول لي لا تعمل أبدا في أي برامج تخص البنوك الربوية من بعيد أو قريب، أو اترك هذا المكان أو اعمل وإن شاء الله ليس بها شيء، وأن لا تتركوا لي التفكير مرة أخرى في هذا الشأن حتى يستريح قلبي وأنعم برضى ربي وبالمال الحلال. ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإننا نشكر لك حرصك على تحرى الحلال في عملك وما تكسب منه رزقك، فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم وتوجيهه للناس أن قال: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.

قال الحافظ في الفتح: أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة، وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود، وصححه الألباني أيضا.

والإنسان مأمور بتحري الطيب الحلال، والبعد عن المحرمات والمشتبهات. قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم .{البقرة: 172}. وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كلها، ألا وهي القلب. متفق عليه.

ومن تحرى الحلال يسره الله له لقوله: ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب. {الطلاق: 2-3}. وقوله: ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا. {الطلاق: 4}.

والعمل في المؤسسات الربوية محرم ولو لم يكن في ذات الربا، لأن مجرد العمل فيها تعاون معها على إثمها وباطلها وقد قال تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب. {المائدة:2}. وكل عمل يقوم به الموظف في المؤسسة الربوية مما لا غنى لها عنه كمعالجة أنظمة الحواسيب الآلية، وضبط الإجراءات الإدارية ونحوها لا يجوز لما ذكرنا.

وبناء عليه، فعملك في تلك الشركة إن كان مع البنوك الإسلامية فلا حرج فيه، وأما مع البنوك الربوية فلا يجوز، والأنظمة المشتركة التي قد تستعمل في الحلال والحرام يجوز عملها ما لم يغلب على الظن أنها ستستعمل في الحرام، وقد ذكرت أن البنك الربوي يستخدمها، وإن كان كذلك فلا يجوز لك فعلها، ولو كان البنك الإسلامي يستخدمها معه، فاستخدام البنك الإسلامي لها لا يبيح إعانة البنك الربوي بها، وقد نص الفقهاء رضي الله عنهم على أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وأن ما يوصل إلى الحرام يكون مثله، ونصوا كذلك على تحريم بيع العنب لمن يتخذه خمرا، وتأجير الدار لمن يستعملها في الحرام؛ لأن في ذلك إعانة على ما حرم الله تعالى، وروى ابن بطة أن قيما لسعد بن أبي وقاص في أرض له أخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيبا ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعتصره، فقال سعد: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر. وأمر بقلعه.

 قال ابن قدامة في المغني: وهذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام كبيع السلاح لأهل الحرب، أو لقطاع الطريق، أو في الفتنة، وبيع الأمة للغناء أو إجارتها كذلك، أو إجارة دار لبيع الخمر فيها، أو لتتخذ كنيسة، أو بيت نار أو أشباه ذلك فهو حرام، والعقد باطل. انتهى.

فالحاصل أن كل ما يستعان به على المعصية وإن كان مباحا في أصله يحرم بيعه أو العمل فيه.

وبناء على ذلك، فلا تعمل إلا في المجالات المباحة لتلك الشركة كالبنوك الإسلامية ونحوها، فإن لم يمكن اقتصارك على العمل في المباح فابحث عن غيرها، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، نسأل الله عز وجل أن يغنيك بحلاله عن حرامه.

 وللمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة هاتين الفتويين: 63996، 117468.

 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى