السؤال
ما معنى ذنب آدم و حواء؟ هل ورثنا طبيعتهما؟ وهل وصلتنا الخطيئة أو الذنب بسبب أبوينا الأولين آدم و حواء؟
ما معنى ذنب آدم و حواء؟ هل ورثنا طبيعتهما؟ وهل وصلتنا الخطيئة أو الذنب بسبب أبوينا الأولين آدم و حواء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد:
فلابد من التأكيد هنا على عدة حقائق ثابتة ومستقرة تتعلق بذنب آدم وحواء عليهما السلام، أولا: أن ما وقعا فيه من المعصية كان سببه الشيطان، حيث وسوس لهما وأغواهما بالأكل من الشجرة، وأقسم لهما على أنهما إن أكلا من هذه الشجرة فسيكونان خالدين أو ملكين، قال الله تعالى: (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) [لأعراف:20].
قال الإمام ابن كثير: يقول: ما نهاكما عن الأكل من هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، أي لو أكلتما منها لصرتما كذلك: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) [لأعراف:21]. أي: حلف لهما على ذلك كما في الآية الأخرى: (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) [طـه:120] أي: هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من النعيم، واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي؟ وهذا من التغرير والتزوير والإخبار بخلاف الواقع... الخ. قصص الأنبياء لابن كثير ص 19.
ثانيا: أنهما قد تابا من الذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، قال تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) [البقرة:37]، وقال سبحانه: (وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) [طـه:121-122].
ثالثا: أن ما وقعا فيه من معصية لا يلامان عليه، لأنهما قد تابا منه، ثم إننا لم نرث خطيئتهما ومعصتيهما بذاتها، بمعنى أنه لا يلزم أن كل واحد منا يقع في مثل ما وقعا فيه، وإنما نخطئ لأننا بشر غير معصومين، وأفضلنا هو من يبادر بالتوبة، كما تقدم في الحديث.
ولما حاج موسى آدم عليه السلام ولامه على إخراجه نفسه وذريته من الجنة بسبب خطيئته، أجابه آدم عليه السلام بالحجة القاطعة الظاهرة التي تدفع اللوم عنه، كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: "حاج موسى آدم عليه السلام، فقال له: أنت الذي أخرجت الناس بذنبك من الجنة وأشقيتهم. قال آدم: يا موسى... أنت الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني أو قدره علي قبل أن يخلقني؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى" رواه البخاري بهذا اللفظ، ورواه مسلم وأصحاب السنن بألفاظ أخر.
ومعنى (فحج آدم موسى) أي غلبه بالحجة وظهر عليه بها. ذكره النووي في شرح مسلم، وعند مسلم (قبل أن أخلق بأربعين سنة).
قال النووي: المراد بالتقدير هنا: الكتابة في اللوح المحفوظ، أو في صحف التوراة وألواحها، أي كتبه علي قبل خلقي بأربعين سنة، ولا يجوز أن يراد به حقيقة القدر، فإن علم الله تعالى، وما قدره على عباده، وأراد من خلقه أزلي لا أول له. وإذا كان الأمر كذلك، فلا نلوم آدم على ذلك.
رابعا: أنه لابد من الإشارة هنا إلى حقيقة عظيمة مستقرة في ديننا الإسلامي، وهي: أن كل إنسان يحاسب على خطاياه هو، وليس على خطايا من سبقه، كما أنه يحاسب على إضلاله الآخرين ممن يأتون بعده إن كان سببا في إضلالهم. قال الله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة) [المدثر:38].
وقال: (كل امرئ بما كسب رهين) [الطور:21].
وقال: "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" رواه مسلم وأيضا: يجازي الله سبحانه الداعي إلى الهدى عمن كان سببا في هدايتهم، هذا بخلاف ما يدعيه المتبعون للإنجيل المحرف (من كون عيسى عليه السلام ابنا لله) تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا. وأنه صلب تكفيرا لخطيئة آدم، وهذا كله باطل لأن عيسى عليه السلام ليس إلها، ولا ابن إله بل هو رسول كريم، ثم إنه لم يصلب ولم يقتل، بل رفع إلى السماء، كما قال الله تعالى: (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما) [النساء:157-158]. ثم إن آدم عليه السلام غير محتاج، ولم يكن محتاجا يوما إلى من يكفر له عن خطيئته، لأنه قد تاب منها كما تقدم.
والله أعلم.