الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأسماء الله تعالى توقيفية، فلا يصح إثبات اسم لله تعالى إلا بدليل، ولا مدخل للقياس في ذلك.
قال البغوي في تفسيره: الإلحاد في أسماء الله تسميته بما لم يتسم به ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقال السفاريني في منظومته:
لكنها في الحق توقيفية * لنا بذا أدلة وفية. اهـ.
وأهل العلم الذين قرروا ذلك قد اختلفوا في ما جاءت به النصوص منسوبا إلى الله تعالى بصيغة الفعل وبصورة الاسم المضاف، هل يجوز اشتقاق الاسم منها أم أن هذا ينافي التوقيف؟ وجدير بالذكر أن أكثر أهل العلم الذين تكلموا في أسماء الله مع كونهم نصوا على أن أسماء الله تعالى توقيفية إلا أنهم عدوا بعض الأسماء التي لم ترد إلا مضافة أو بصيغة الفعل، ومن هؤلاء جعفر الصادق وأبو زيد اللغوي وسفيان بن عيينة كما ذكر ذلك عنهم الحافظ ابن حجر. ومن هؤلاء أيضا: الزجاج في تفسير أسماء الله الحسنى، والقشيري في شرح أسماء الله الحسنى، والخطابي في شأن الدعاء، وابن منده في التوحيد، والحليمي والبيهقي في الأسماء والصفات، وقوام السنة أبو القاسم الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة، وابن تيمية في مجموع الفتاوى، وابن القيم في بدائع الفوائد وغيره، وابن الوزير في إيثار الحق على الخلق، وحافظ حكمي في أعلام السنة المنشورة، والسعدي في تفسير أسماء الله الحسنى.
ومن ذلك اسم الخافض الذي ورد في السؤال، فقد عده في الأسماء كل من الخطابي والحليمي والبيهقي وأبو القاسم الأصبهاني، وابن العربي والقرطبي وابن تيمية وابن القيم والسعدي وغيرهم. واسم المنعم عده جعفر الصادق وابن منده.
والسبب في كون من ذكر اسم الخافض أكثر ممن ذكر اسم المنعم أن اسم الخافض جاء في خبر عد الأسماء المشهور عند الترمذي وابن ماجه. ولكن سرد هذه الأسماء في هذا الحديث لا تصح نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال العراقي في طرح التثريب: قال القاضي عياض: تعيين هذه الأسماء لم يخرج في الصحيحين، وخرجه الترمذي وغيره وفيها اختلاف ثبتت أسماء في رواية وفي أخرى أسماء أخر تخالفها، وقد اعتنى بعض أهل العلم بتخريج ما منها في كتاب الله مفردا غير مضاف ولا مشتق من غيره كقادر وقدير ومقتدر وملك الناس ومالك وعليم وعالم الغيب، فلم تبلغ هذا العدد، واعتنى آخرون بذلك فحذفوا التكرار ولم يحذفوا الإضافات فوجدوها على ما قالوا تسعة وتسعين في القرآن كما ذكر في الحديث، لكنه على الجملة لا على تفسيرها في الحديث، واعتنى آخرون بجمعها مضافة وغير مضافة ومشتقة وغير مشتقة وما وقع منها في هذا الحديث على اختلافها وفي غيره من الأحاديث، وما أجمع عليه أهل العلم على إطلاقه فبلغها أضعاف هذا العدد المذكور في الحديث، وقيل: إن هذه التسعة والتسعين مخفية في جملة أسماء الله تعالى كالاسم الأعظم فيها، وليلة القدر في السنة. اهـ.
وممن انتصر للقول بالاشتقاق وشنع على من يرده القاضي أبو بكر بن العربي، عند قوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها. {الأعراف:180} . من كتابه أحكام القرآن ومما قال: والذي يعضد ذلك أن الصحابة وعلماء الإسلام حين عددوا الأسماء ذكروا المشتق والمضاف والمطلق في مساق واحد إجراء على الأصل. اهـ.
ونقل عنه القرطبي في الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى أنه قال: لتعلموا أن السلف كانوا يشتقون الأفعال من الأسماء والأسماء من الأفعال فاقتدوا بهم ترشدوا. اهـ.
والخلاصة أن بين أهل العلم خلافا معتبرا في عد اسمي الخافض والمنعم، بناء على اختلافهم في جواز اشتقاق الأسماء مما ورد في الشرع بصيغة الفعل. ولا يقتصر ذلك على هذين الاسمين فقط، فقد عد الحافظ ابن حجر سبعة وعشرين اسما مما ورد في خبر الأسماء عند الترمذي مما لم يرد في القرآن بصيغة الاسم، وهي: القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل العدل الجليل الباعث المحصي المبدئ المعيد المميت الواجد الماجد المقدم المؤخر الوالي ذو الجلال والإكرام المقسط المغني المانع الضار النافع الباقي الرشيد الصبور. اهـ.
ولا شك أن الأولى والأحوط والأبرأ للذمة، أن ندور مع النصوص الشرعية لفظا ومعنى، فما ورد بصيغة الاسم أثبتناه اسما بلفظه، وما ورد مضافا أو بصيغة الفعل لم نتجاوز وصف الله تعالى به بالصيغة التي ورد بها، وعلى ذلك فالتسمية مثلا بعبد الخافض أو عبد المنعم أقل ما يقال فيها إنها خلاف الأولى. وراجع للفائدة الفتويين: 100094، 108449.
والله أعلم.