السؤال
إذا لم أتزوج امرأة في الدنيا ولم يكن نصيبى فيها، فهل لى أن أتزوجها فى الآخرة هي نفسها وليس غيرها ولا واحدة تشبهها؟ وإذا كان ذلك ممكنا، فما موقف زوجها فى الدنيا من ذلك في الآخرة؟ وما موقف من يتمناها غيرى؟ وما موقف زوجتى فى الآخرة؟ أتمنى الإجابة، لأن ذلك الموضوع يضعنى في حالة عدم استقرار في علاقتي مع الله، والزهد ـ حتى في الآخرة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أيها السائل أن تصريحك بالزهد في الدارالآخرة بسبب حبك لهذه المرأة كلام خطير يخشى على صاحبه ـ والعياذ بالله ـ من الفتنة وسوء الخاتمة، ويدل على أن قلبك قد تعلق بهذه المرأة تعلقا كبيرا، ووصل عشقك لها إلى الحد المخوف، وهذا الحد قد يؤدي بصاحبه ـ والعياذ بالله ـ إلى ما لا تحمد عقباه من تقديم رضا المخلوق ومحبته على رضا الخالق ومحبته.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الجواب الكافي: وهوـ أي العشق - تارة يكون كفرا لمن اتخذ معشوقه ندا يحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فهذا عشق لا يغفر لصاحبه، فإنه من أعظم الشرك والله لا يغفر أن يشرك به، وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك، وعلامة هذا العشق الشركي الكفري أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه، وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحق ربه وطاعته قدم حق معشوقه على حق ربه، وآثر رضاه على رضاه، وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه وبذل لربه ـ إن بذل ـ أردى ما عنده، واستفرغ وسعه في مرضات معشوقه وطاعته والتقرب إليه، وجعل لربه ـ إن أطاعه ـ الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته، فتأمل حال أكثر عشاق الصور، هل تجدها مطابقة لذلك؟ ثم ضع حالهم في كفة وتوحيدهم في كفة وإيمانهم في كفة، ثم زن وزنا يرضي الله ورسوله ويطابق العدل، وربما صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه أحب إليه من توحيد ربه. انتهى.
فاتق الله ربك، وتنبه من هذه السكرة، ولا تضيع آخرتك ودنياك بالجري وراء هذا السراب، فليس شيء أفسد لدين المرء وقلبه وأضيع لمصالح دنياه وآخرته من العشق.
يقول ابن القيم: فليس شيء أضيع لمصالح الدين والدنيا من عشق الصور، أما مصالح الدين فإنها منوطة بلم شعث القلب وإقباله على الله، وعشق الصورأعظم شيئا تشعيثا وتشتيتا له، وأما مصالح الدنيا فهي تابعة في الحقيقة لمصالح الدين، فمن انفرطت عليه مصالح دينه وضاعت عليه، فمصالح دنياه أضيع وأضيع. انتهى.
وراجع كلامنا عن خطورة هذا المرض وطرق علاجه في الفتاوى التالية أرقمها: 9360, 117632, 27626.
أما عن حال المرأة المتزوجة، فإنها تكون في الجنة لزوجها في الدنيا إذا كان من أهل الجنة، فإن تزوجت أكثر من زوج في الدنيا فإنها تكون لآخرهم، كما صح في الحديث أن معاوية ـ رضي الله ـ عنه خطب أم الدرداء فأبت أن تتزوجه وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المرأة لآخر أزواجها، ولست أريد بأبي الدرداء بدلا، فنصحها معاوية بالصيام . وفي رواية: أيما امرأة توفي عنها زوجها فتزوجت بعده فهي لآخر أزواجها. والقصة مخرجة في السلسلة الصحيحة.
وعن حذيفة أنه قال لامرأته: إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة لآخر أزواجها في الدنيا، فلذلك حرم الله على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة. أخرجه البيهقي في السنن.
وقيل: بل تكون لأحسنهم خلقا، ودليل ذلك ما ورد عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت يا رسول الله : المرأة تتزوج مرتين في الدنيا فيموتان ونموت، فلمن تكون هي في الآخرة؟ قال لأحسنهما خلقا يا أم سلمة، ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة. رواه الدارقطني.
وعلى كل فإننا ننصحك بالتوبة وتقوى الله، والعكوف على ما ينفعك ويعود عليك بمصالح الدين والدنيا، ولا تشغل نفسك بهذه المرأة ما دامت متزوجة، ولا سبيل لك إلى زواجها.
والله أعلم.