أدلة العلماء القائلين بعدم وجوب الزكاة في الحلي

0 604

السؤال

سؤالي هو: هل من الممكن الرد على من أوجب الزكاة في الحلي أن زكاته في كل سنة من المرأة التي لا دخل لها سيؤدي إلى نقص ذلك الحلي إلى أن يبلغ اقل من النصاب، فبالتالي يكون الشرع قد حدد أن لا يزيد الحلي عن النصاب ولا أظن هذا من مقاصد الشرع. أفتونا مأجورين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما ذكرته من الحجة على عدم وجوب الزكاة في الحلي لم نر من احتج به من العلماء الذين لا يوجبون زكاة الحلي وهم الجمهور، فضلا عن كونه غير ظاهر كل الظهور، فإن الموجب لزكاة الحلي يمنع كون أكثر النساء ليس لهن من المال ما يخرجن به زكاة الحلي، بل الغالب عكس ذلك ومن ثم فيكون الأصل هو أن المرأة تتخذ ما شاءت من الحلي ولو كان زائدا على النصاب، وأما من لم تجد من المال ما تخرج به زكاة الحلي فعليها أن تقتطع من حليها ما تؤدي به الزكاة، والموجب يقول هذا شرع الله فلا معدل عن الأخذ به، والمال مال الله ونحن إنما نتصرف فيه على الوجه الذي شرعه، وإنما يحتج من لم يوجب الزكاة في الحلي بحجج هي أظهر مما ذكرته بكثير، فمنها حديث فيه ضعف يرويه الطبراني: ليس في الحلي زكاة.

 ومن أقواها آثار ثابتة عن جمع من الصحابة والتابعين تقتضي أن ليس في الحلي زكاة، حتى قال الإمام أحمد رحمه الله: إنه ثابت عن خمسة من الصحابة، ومن أقوى ما احتجوا به كذلك القياس على ما كان متخذا للقنية بجامع الاستعمال المباح.

ونحن نسوق طرفا من كلام صاحب حاشية الروض يتضح به ما احتج الجمهور به في عدم وجوب زكاة الحلي. قال رحمه الله: ولا زكاة في حليهما المباح المعد للاستعمال أو العارية؛ لقوله عليه السلام: ليس في الحلي زكاة . رواه الطبراني عن جابر بسند ضعيف، لكن يعضده الاستعمال في عصر النبوة بدون زكاة، وكونه لم يرصد للنماء، والزكاة إنما شرعت في الأموال النامية. وقال أحمد: فيه عن خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكونه لا زكاة فيه هو مذهب مالك والشافعي وأبي عبيد وغيرهم، وذكره الأثرم عن خمسة من التابعين، ولأنه عدل به عن النماء إلى فعل مباح، أشبه ثياب البذلة، وعبيد الخدمة، ودور السكنى. انتهى بتصرف.

 وقد أطال الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار في الاستدلال لعدم الوجوب ومما قاله رحمه الله: وإذا عرفت هذا فقد قدمنا أن حديث السوارين قد قال الترمذي فيه إنه لم يصح في الباب شيء، والحديث الذي بعده عن عمرو بن شعيب ضعيف كما تقدم فلم يبق في الباب ما يصلح للاحتجاج به ولا سيما مع ما ورد من أنه  صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن أمره بأن يأخذ من كل أربعين دينارا دينارا، وقد كان للصحابة وأهاليهم من الحلية ما هو معروف ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالزكاة في ذلك؛ بل كان معاذ يعظ النساء ويرشدهن إلى الصدقة أي صدقة النفل فيلقين في ثوب بلال من حليهن كما هو ثابت في الصحيح، ولو كان عليهن في ذلك زكاة لأخبرهن لأنه فعل ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أمرهن بما هو واجب عليهن أقدم من أمرهن بما ليس بواجب عليهن، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: لا نعلم أحدا من الخلق قال في الحلي زكاة. وأخرج مالك أيضا في الموطأ عن ابن عمر أنه كان يحلي بناته وجواريه بالذهب فلا يخرج منه الزكاة. وأخرج مالك أيضا في الموطأ والشافعي عن عائشة أنها كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج منه الزكاة. وروى البيهقي والدارقطني عن جابر قال: ليس في الحلي زكاة. وأخرج الدارقطني والبيهقي أيضا عن أنس وأسماء بنت أبي بكر نحوه. وأما ما روي عن ابن عباس من إيجاب الزكاة في الحلي فقال الشافعي لا أدري أثبت عنه أم لا. انتهى.

 فهذا هو ما احتج به من يقول من العلماء بعدم وجوب الزكاة في الحلي، وهو قول الجمهور وهو المفتى به عندنا، وإن كان الأحوط إخراج زكاة الحلي خروجا من خلاف العلماء، فإن القول بوجوب زكاة الحلي قول كثير من أهل العلم وهو قول له حظ من النظر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة