علاج سوء الظن بالناس وعدم شكرهم على إحسانهم

0 502

السؤال

أعاني من صفة ذميمة وهي الجحود، فكلما قدم لي شخص معروف آخذه وأتجاهل صاحبه، وكأن ذلك من واجبه، ولا أنظر للبشر ولا أحسب معروفهم؛ ومما زاد صفة الجحود عندي أني تربيت في بيئة منانة والحمد لله ، ولأن معظم الناس الذين خالطتهم لا يقدمون المعروف لوجه الله، بل لغاية ومصلحة خاصة لا يبدونها مما جعلني أشك في أي شخص يقدم لي معروفا وأسيء الظن به، وفعلا يكون ظني السيئ في محله، فهل من نصيحة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فينبغي لمن أهدى إليه أحد هدية أن يكافئه بمثلها أو أحسن منها، وبالدعاء له والثناء عليه، ولا يسوغ أن يترك الاعتراف بالفضل لأهله بسبب فساد حال الناس، فإن مكافأة من أحسن إليك والاعتراف له بالفضل والثناء عليه والدعاء له أمر مرغب فيه، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم ورغب فيه.

 فقد روى الإمام أحمد وغيره وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يشكر الله من لا يشكر الناس.

وشكر الناس يكون بالكلمة الطيبة وبالدعاء لهم وبمكافأتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء. رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني.

وفي رواية: من أولي معروفا أو أسدي إليه معروف فقال للذي أسداه: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وقد صححه الألباني.

و في الحديث: من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه أبو داود وابن حبان وأحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي والنووي والأرناؤوط والألباني.

 و في الحديث:  من أعطي عطاء فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور. رواه الترمذي وحسنه الألباني.

وفي لفظ : من أتي إليه معروف فليكافىء به، ومن لم يستطع فليذكره، فإن من ذكره فقد شكره، ومن تشبع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور. رواه أحمد وحسنه الألباني.

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال المهاجرون يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله، ما رأينا قوما أحسن بذلا لكثير، ولا أحسن مواساة في قليل منهم، ولقد كفونا المؤنة. قال أليس تثنون عليهم به وتدعون لهم؟ قالوا: بلى. قال فذاك بذاك. رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.

 وفي لفظ عن أنس أيضا قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله ما رأينا قوما أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنإ، حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم .رواه الترمذي وصححه الألباني.

وفي بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي عند شرح حديث: لا يشكر الله من لا يشكر الناس.

 قال المؤلف : إذا أنعم الله تعالى عليك بواسطة عبد من عباده في نفع لك أو دفع عنك ، أوجب عليك شكره ، والمنعم في الحقيقة هو الله تعالى، قال الله تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله. فوجب عليه الشكر لله تعالى فيما أنعم به عليك ، ووجب عليك شكر من جعله سببا لنعمة النفع والدفع ، كالشكر لله تعالى ، أوله رؤية النعمة بالقلب من الله تعالى  .... وشكر من جرت النعمة على يديه بالمكافأة له ، والثناء عليه . ومعنى الثناء نشر الجميل عنه ، وحسن الدعاء له ، فمن قدر كافأ ، ومن عجز دعا ، والمكافأة مع القدرة ، والدعاء عند العجز أيسرالشكرين : شكر الله تعالى ، وشكر العباد ، ومن ضيع شكر العباد الذي هو أيسر الشكرين ، كان بشكر الله تعالى الذي هو أعظمهما قدرا ، وأعسرهما مراما أضيع ، فكأنه قال: لايكون قائما بشكر الله مع عظم شأنه من لم يقم بشكر الناس ...اهـ

وقال الخطابي: هذا يتأول على وجهين أحدهما: أن من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله تعالى وترك الشكر له. والوجه الآخر: أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر. انتهى.

وقال الكلاباذي في شرح حديث: لا ما اثنيتم عليهم: أي لا يفضلونكم ولا يفوتكم ، فإن دعاءكم الله لهم ، وثناءكم عليهم يقوم منكم مقام نفقاتهم منهم وبذل أموالهم ، فتعطون على الدعاء والثناء من الأجر ما يعطون على النفقة والعطاء . فيه أيضا وجوب مكافأة المعطي ومجازاة المحسن ، ومعرفة الفضل للمنعم...اهـ

وأما ظنك السوء بالناس فهو محرم لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم.{ الحجرات:12}.

وفي حديث الصحيحين: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.

 فعليك أن تجاهد نفسك في التخلي عن الظنون والاتهامات المذكورة فقد قال عمر رضي الله عنه: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرا وأنت تجد لها في الخير محملا.

فيتعين أن لا تحمل فعل من قدم لك معروفا إلا على الخير ما دام ذلك ممكنا، ومن الوسائل المساعدة على عدم إساءة الظن بالناس أن تعلم أنه ينبغي لك أن تعاملهم بما تحب أن يعاملوك به، فكما تحب أن يحسن الناس الظن بك فأحسن الظن بهم، وكما تكره أن يسيئوا الظن بك فابتعد عن إساءة الظن بهم، وإذا ظهر لك ما يؤكد صحة سوء ظنك فالتمس عذرا لمن أسأت به الظن. فقد قال ابن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد فقل لعل له عذرا لا أعرفه .

 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة