السؤال
نحن أربعة أشخاص مقيمون في مدينة ما في الصين، يوجد جامع واحد فقط تقام فيه صلاة الجمعة، ولكن الجامع بعيد، وفيه الكثير من البدع مثل الصلاة 30 ركعة، والخطبة ركيكة، بالإضافة إلى أن المكان غير صحي جدا.
هل يجوز أن نقيم نحن الأربعة فقط صلاة جمعة وتتخللها خطبة؟ أفيدونا أفادكم الله لأننا لا نستطيع أن نواصل مع مسجد مليء بالبدع.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كانت الجمعة تقام في البلد الذي أنتم فيه فإنه يلزمكم شهودها، ولا يجوز لكم التخلف عنها، فإن العلماء متفقون على لزوم الجمعة لأهل المصر، وإن لم يسمعوا النداء، وإن بعدت منازلهم عن المسجد ما لم يكن لأحدهم عذر من الأعذار المبيحة للتخلف عنها.
قال النووي رحمه الله في شرح المهذب: قال الشافعي والأصحاب إذا كان في البلد أربعون فصاعدا من أهل الكمال وجبت الجمعة علي كل من فيه، وإن اتسعت خطة البلد فراسخ، وسواء سمع النداء أم لا، وهذا مجمع عليه. انتهى.
وجاء في المغني: قال : -أي الخرقي،- وتجب الجمعة على من بينه وبين الجامع فرسخ هذا في حق غير أهل المصر، أما أهل المصر فيلزمهم كلهم الجمعة بعدوا أو قربوا قال أحمد : أما أهل المصر فلا بد لهم من شهودها سمعوا النداء أو لم يسمعوا. انتهى.
ولا يجوز لكم إحداث جمعة ثانية في البلد ما دام هذا المسجد يتسع لكم ولا يضيق بمن فيه، فإن تعدد الجمعة في البلد الواحد لغير حاجة لا يجوز، قال ابن قدامة في المغني: فأما مع عدم الحاجة فلا يجوز –أي إقامة الجمعة- في أكثر من واحد وإن حصل الغنى باثنين لم تجز الثالثة وكذلك ما زاد لا نعلم في هذا مخالفا إلا أن عطاء قيل له إن أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر قال : لكل قوم مسجد يجمعون فيه ويجزى ذلك من التجميع في المسجد الأكبر وما عليه الجمهور أولى إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أنهم جمعوا أكثر من جمعة إذ لم تدع الحاجة إلى ذلك، ولا يجوز إثبات الأحكام بالتحكم بغير دليل. انتهى.
وأما ما ذكرته من بدعتهم فإن البدعة لا تضر إلا أهلها، ولو ساغ ترك الجمعة لبدعة الإمام أو فسقه لتعطلت الجمعة، ولهذا نص العلماء الذين لا يصححون الصلاة خلف الفاسق على أن الجمعة مستثناة من هذا الحكم، قال ابن قدامة في المغني: وأما الجمع والأعياد فإنها تصلى خلف كل بر وفاجر، وقد كان أحمد يشهدها مع المعتزلة، وكذلك العلماء الذين في عصره. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكذلك ليس لهم ترك الجمعة ونحوها لأجل فسق الإمام، بل عليهم فعل ذلك خلف الإمام وإن كان فاسقا، وإن عطلوها لأجل فسق الإمام كانوا من أهل البدع، وهذا مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما. وإنما تنازع العلماء في الإمام إذا كان فاسقا، أو مبتدعا، وأمكن أن يصلي خلف عدل.فقيل: تصح الصلاة خلفه، وإن كان فاسقا. وهذا مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وأبي حنيفة. انتهى.
وليس علاج مشكلة البدع القائمة في المسجد بأن تدعوا الصلاة فيه، بل عليكم بمناصحة القائمين عليه بالتي هي أحسن، وأن تبينوا لهم خطأ ما يفعلونه، وتذكروا لهم كلام العلماء في المسائل التي تنكرونها عليهم، وأما كون مكان المسجد غير صحي، فإن كان يغلب على الظن إصابة من يصلي فيه بمرض، فإن خوف حصول المرض من الأعذار المبيحة لترك الجمعة والجماعة، وإلا فلا يجوز لكم ترك الجمعة بحال، فضلا عن أن مذهب جمهور أهل العلم أن الجمعة لا تنعقد بأربعة وهو مذهب الشافعية والحنابلة الذين يرون أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين، ومذهب المالكية الذين يرون أن الجمعة تنعقد باثني عشر فصاعدا.
والله أعلم.