الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفصل بين خطبتي الجمعة بأذان وصلاة ركعتين

السؤال

أنا في دولة أوربية، وفي أحد المساجد الموجودة في المدينة التي أنا بها، يصلون الجمعة كالتالي:
عندما يدخل الوقت، يبدأ الإمام بالخطبة بدون أذان، ثم يقوم المؤذن فيؤذن الأذان الأول، ثم يقوم الناس لصلاة السنة القبلية، ثم يقوم المؤذن فيؤذن الأذان الثاني، ثم يقوم الإمام مرة أخرى، فيثني على الله، ويدعو، ثم تقام الصلاة.
ما صحة هذا الفعل؟ وهل يجوز متابعتهم والصلاة معهم؟ علماً بأنهم يقولون إنهم يتبعون المذهب الحنفي، ولا أستطيع الذهاب إلى المسجد الآخر الموجود بالمدينة؛ لأن الإمام هناك يلحن في سورة الفاتحة لحنًا جليًا، ولا يدع أحدًا يصلي مكانه، ثم إنه مبتدع، حيث يقول بعدم ثبوت القدم واليد لله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أما بعد:

فما يفعله هذا الإمام وهذه الجماعة من الفصل بين الخطبتين بالأذان، وصلاة ركعتين، ثم الأذان الثاني؛ ليس هو السنة، ولا هو موافق للمذهب الحنفي، فإن الحنفية كغيرهم يرون أن الأذان مقدم على خطبتي الجمعة، ثم يخطب الخطيب الخطبتين، ثم يصلي.

قال ابن نجيم في البحر في بيان صفة خطبة الجمعة عند الحنفية ما لفظه: (وَسُنَّ خُطْبَتَانِ بِجِلْسَةٍ بَيْنَهُمَا وَطَهَارَةٍ قَائِمًا) كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَةً خَفِيفَةً، يَفْتَتِحُ بِحَمْدِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَتَشَهَّدُ، وَيُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَعِظُ، وَيُذَكِّرُ، وَيَقْرَأُ سُورَةً، ثُمَّ يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ خُطْبَةً أُخْرَى، يَحْمَدُ اللَّهَ -تَعَالَى- وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَتَشَهَّدُ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَعِظُ فِي الثَّانِيَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى إلَّا أَنَّهُ يَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ مَكَانَ الْوَعْظِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسَنُّ قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى. انتهى.

وإذا علمت ما مرَّ، وأن هذه الجماعة تخالف ما يراه الحنفية مشروعًا؛ فإن صلاة هذه الجماعة صحيحة على المذهب الحنفي، لأن الواجب عندهم خطبة واحدة، والخطبتان مسنونتان، فإذا وقعت الخطبة بشرطها، صحت الصلاة.

قال ابن عابدين: (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ خُطْبَتَانِ) لَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْخُطْبَةَ شَرْطٌ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ هُوَ تَكْرَارُهَا مَرَّتَيْنِ، وَالشَّرْطُ إحْدَاهُمَا. انتهى.

ثم الخطبة تحصل عند الحنفية ولو بتحميدة بنية الخطبة.

قال الحصكفي في الدر المختار في بيان ما تحصل به الخطبة: وَكَفَتْ تَحْمِيدَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ أَوْ تَسْبِيحَةٌ لِلْخُطْبَةِ الْمَفْرُوضَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ وَأَقَلُّهُ قَدْرُ التَّشَهُّدِ الْوَاجِبِ (بِنِيَّتِهَا، فَلَوْ حَمِدَ لِعُطَاسِهِ) أَوْ تَعَجُّبًا، لَمْ يَنُبْ عَنْهَا عَلَى الْمَذْهَب. انتهى.

وعلى هذا التقرير، فجمعة هؤلاء القوم صحيحة على المذهب الحنفي، لكون الخطيب يأتي بشرط الخطبة، وإن كانوا مخالفين للسنة في جعل الأذان والصلاة بين الخطبتين، وهم كذلك مخالفون للمذهب الحنفي.

فعليك أن تبين لهم ما ذكرنا، وتذكر لهم كلام فقهاء الحنفية، وأن الأولى بعد دخول الوقت أن يؤذن المؤذن، ويكون الأذان الثاني بين يدي الخطيب، ثم يخطب بعده خطبتين على ما مرَّ بيانه.

وأما الصلاة؛ فصحيحة عند الحنفية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني