السؤال
لي قريبة تزوجت ومكثت عند بيت زوجها أكثر من عشرين يوما، وقد حدثت بينهم الخلوة الشرعية، ولكن بعد العشرين يوما رجعت إلى بيت أبيها، ولم ترجع إلى زوجها مرة ثانية، وقالت إنه لم يلمسها، وبعد فترة حدث الطلاق، وبعد أسبوعين ـ فقط ـ من الطلاق تقدم شاب لخطبتها وتم ذلك، وتم الزواج بعد ذلك بفترة، والسؤال: هل هذه الفتاة عليها عدة بعد طلاقها الأول؟ وإن كانت عليها عدة، فما صحة الزواج الثاني؟.أفيدونا أفادكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كانت الزوجة المذكورة قد حصل بينها وبين زوجها خلوة شرعية فقد وجبت عليها العدة عند الجمهور ـ خلافا لقول الشافعي في المذهب الجديد ـ ففي الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه تجب العدة على المطلقة بالخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح دون الفاسد، فلا تجب في الفاسد إلا بالدخول. أما في النكاح الصحيح فتجب بالخلوة، لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها.
ولأن وجوبها بطريق استبراء الرحم، والحاجة إلى الاستبراء بعد الدخول لا قبله، إلا أن الخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح أقيمت مقام الدخول في وجوب العدة التي فيها حق الله تعالى، لأن حق الله تعالى يحتاط في إيجابه، ولأن التسليم بالواجب بالنكاح قد حصل بالخلوة الصحيحة فتجب به العدة كما تجب بالدخول. انتهى.
وفيها أيضا: وفي الجديد عند الشافعية لا تجب العدة بالخلوة المجردة عن الوطء لمفهوم قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها. اهـ
وتصريح تلك الزوجة بكون زوجها لم يلمسها لا يسقط عنها وجوب العدة ـ ولو صدقها الزوج في ذلك ـ قال الخرشي في شرحه لمختصر خليل: يعني أن الزوجة إذا خلت مع زوجها خلوة يمكن أن يصيبها فيها ـ سواء كانت خلوة اهتداء أو خلوة زيارة ـ فإنه إذا طلقها يجب عليها العدة، وإن تصادقا على نفي الوطء في تلك الخلوة لحق الله تعالى. انتهى.
وبناء على ما تقدم، فالعدة واجبة على هذه الزوجة المطلقة، ولا يجوز لأي رجل أن يخطبها، كما تقدم في الفتويين رقم: 45986، 54355 .
وقولك: وتم الزواج بعد فترة ـ إن كان بعد تمام عدتها فهو صحيح، وعدتها تنتهي بطهرها من الحيضة الثالثة بعد الطلاق، أو مضي ثلاثة أشهر ـ إن كانت لا تحيض ـ أو وضع حملها إن كانت حاملا.
وإن كان نكاحها الثاني قبل تمام عدتها، فإن ذلك محرم ويعتبر النكاح باطلا، وتفصيل المسألة وما يترتب على هذا النكاح الباطل من أمور قد ذكره ابن قدامة في المغني قائلا: وجملة الأمر أن المعتدة لا يجوز لها أن تنكح في عدتها ـ إجماعا ـ أي عدة كانت، لقول الله تعالى: ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله. ولأن العدة إنما اعتبرت لمعرفة براءة الرحم، لئلا يفضي إلى اختلاط المياه وامتزاج الأنساب، وإن تزوجت فالنكاح باطل، لأنها ممنوعة من النكاح لحق الزوج الأول، فكان نكاحا باطلا، كما لو تزوجت وهي في نكاحه، ويجب أن يفرق بينه وبينها، فإن لم يدخل بها فالعدة بحالها ولا تنقطع بالعقد الثاني، لأنه باطل لا تصير به المرأة فراشا ولا يستحق عليه بالعقد شيء، وتسقط سكناها ونفقتها عن الزوج الأول، لأنها ناشز، وإن وطئها انقطعت العدة ـ سواء علم التحريم أو جهله، إلى أن قال: إذا ثبت هذا، فعليه فراقها، فإن لم يفعل وجب التفريق بينهما، فإن فارقها أو فرق بينهما وجب عليها أن تكمل عدة الأول، لأن حقه أسبق، فإذا أكملت عدة الأول، وجب عليها أن تعتد من الثاني، ولا تتداخل العدتان؛ لأنهما من رجلين، وهذا مذهب الشافعي. انتهى.
مع التنبيه على أن خروجها من بيت زوجها إذا كان بغير إذنه وامتنعت عن الرجوع إليه فهي آثمة وتعتبر ناشزا كما تقدم في الفتوى رقم: 117012 . وراجع المزيد في الفتوى رقم: 43479 .
والله أعلم.