الترويح عن النفس لا يجوز أن يكون بما فيه مجون ومعصية

0 464

السؤال

لقد سمعت المقولة التي تقول إن القلوب إذا كلت ملت و إذا ملت عميت، كيف تقولون بأن الأغاني حرام؟ الأغاني تكون حراما إذا دعت إلى الفساد والابتعاد عن الطاعة. وأنا يخيل إلي أنكم تميلون إلى التشدد قليلا.
بصراحة أنا لا أحب الاستماع إلى الأغاني كثيرا ولكن أحيانا أحب العود لأن فيه طربا جميلا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالترويح في الإسلام أمر مشروع، بل ومطلوب، طالما أنه في إطاره الشرعي السليم المنضبط بحدود الشرع التي لا تخرجه ـ أي الترويح ـ عن حجمه الطبيعي في قائمة حاجات النفس البشرية، فالإسلام دين الفطرة، ولا يتصور أن يتصادم مع الطاقة البشرية الفطرية، أو الغرائز البشرية في حالتها السوية.

ومن هنا فقد أجاز الإسلام النشاط الترويحي الذي يعين الفرد المسلم على تحمل مشاق الحياة وصعابها والتخفيف من الجانب الجدي فيها ومقاومة رتابتها شريطة ألا تتعارض تلك الأنشطة مع شيء من شرائع الإسلام، أو يكون فيها إشغال عن عبادة مفروضة، والأصل في ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم عن حنظلة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظنا فذكر النار قال ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة، قال: فخرجت فلقيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال وأنا قد فعلت مثل ما تذكر، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله نافق حنظلة، فقال: مه فحدثته بالحديث، فقال أبو بكر وأنا قد فعلت مثل ما فعل فقال: يا حنظلة ساعة وساعة ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطرق.

قال المباركفوري في شرح سنن الترمذي: ( ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ) أي ساعة كذا وساعة كذا يعني لا يكون الرجل منافقا بأن يكون في وقت على الحضور وفي وقت على الفتور, ففي ساعة الحضور تؤدون حقوق ربكم, وفي ساعة الفتور تقضون حظوظ أنفسكم. انتهى.

وهذا أبوالدرداء رضي الله عنه يقول: إني لاستجم لقلبي بالشيء من اللهو، ليكون أقوى لي على الحق .

 ومما ينسب لعلي رضي الله عنه قوله: روحوا القلوب ساعة فإنها إذا أكرهت عميت.

 وعن قسامة بن زهير قال: روحوا القلوب تعي الذكر .

ومن هنا فإن الترويح يمكن أن يكون له بعد تعبدي إذا احتسب الإنسان قربة لله أو ليتقوى به على الطاعة .

فليس بمستغرب ولا عجيب أن تطلب نفس المسلم الراحة والترويح وإمتاع النفس، ولكن العجيب حقا هو ربط هذا الترويح وهذه المتعة بالمحرمات.

 وأما عن حكم استماع الأغاني، فقد فصلنا ذلك في فتاوى سابقة وذكرنا حكم ذلك بدليله، ومما يجب أن يعلمه السائل: أن آلات الموسيقى والمعازف ومنها العود محرمة بالكتاب والسنة، ونقل كثير من العلماء الإجماع على ذلك، فلا يجوز لك العزف على العود ولا استماعه، وراجع الفتاوى التالية أرقامها: الفتوى رقم: 7248 وفيها بيان الغناء المباح والغناء المحرم، والفتوى رقم:  4588. وفيها أن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله وحكم الموسيقى والغناء.

وهذا التحريم ليس من عند أنفسنا أو لتشدد فينا بل هو ما دل عليه القرآن والسنة وعليه جماهير الأمة.

 والواجب عند الاختلاف رد ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا. {النساء:59}.

فهذا هو الحكم بين الناس لا أهواء النفوس أو ما يحبه المرء ويألفه، وبإمكان كل من لا يعجبه حكم أو نشأ على خلافه أن يقول عنه أنه تشدد، وهذا ليس من الموضوعية أو العلم في شيء، فبعض الناس مثلا يجعل الكذب لإضحاك الناس من الترويح، ويجعل تحريم هذا من التشدد، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له. رواه الإمام أحمد وأبوداود والترمذي وحسنه وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: إسناده قوى.

وكذلك من الناس من يجعل تقليد الغير والسخرية منهم من الترفيه والترويح عن النفس، ويجعل تحريم هذا من التشدد، مع أن عز وجل جعل هذا من الفسق ونهى عنه، فقال : يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الأيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. {الحجرات:11}.

فالضابط الذي يرجع إليه في معرفة التشدد من عدمه، أو التحريم أو الإباحة للشيء هو الرجوع إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسؤال العلماء الثقات، أهل الذكر، ومعرفة ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المسلم الذي له وظيفة جليلة في الحياة، ويجب أن يسير وفق منهج الله لا وفق تقليد للغرب أو الشرق أو وفق اتباع هوى النفوس.

وننصح السائل الكريم  لمعرفة المفهوم الحقيقي للترويح أن يرجع لرسالة: (الترويح :  دوافعه ـ ضوابطه ـ تطبيقاته في العصر النبوي ) إعداد الشيخ / عبد الله بن ناصر بن عبد الله السدحان.

كما ننصح بالاستماع لمحاضرة: فقه البدائل الترفيهية في الشريعة الإسلامية. للشيخ/ محمد صالح المنجد. 

وللفائدة راجع هذه الفتاوى  التالية أرقامها عن الترويح وأنواعه وضوابطه: 64995 ، 18941 ، 26260 ، 37025.

  ونسأل الله لنا ولكم الهداية والاستقامة وانشراح الصدر وحسن الفهم والانقياد لدين الله الحق الإسلام .

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة