السؤال
أنا امرأة متزوجة حديثا وأعمل أنا وزوجي بنفس العمل وهو التدريس بالجامعة، وهنا بمصر يوجد الاختلاط والتدريس للجنس الآخر ولكني أحاول أن ألتزم بالضوابط الشرعية على قدر المستطاع ولكن الأمر لا يسلم ولكني أعمل لأن مرتب زوجي وحده لا يكفى على الإطلاق، وزوجي لا يحب عمله كما توجد مشاكل مع رئيسنا في القسم فقرر زوجي أن يتخذ عملا آخر ويترك عمله ليوفر لنا المال الذي نحتاجه من غير الحاجة لعملي ووجد عملا بالسعودية ففرحت أنا كثيرا لأن هذه البلد الإسلامي حفظها الله ستعينني على اللباس الشرعي الصحيح بحيث إني هنا في عملي لا أستطيع ارتداء النقاب وكذلك ستمكننا إن شاء الله من عمل العمرة والحج في يسر لأننا هنا لا نملك إتمامهم على الإطلاق وحتى إذا عملت هناك ساكون تحت الضوابط الشرعية السليمة إن شاء الله, ولكن تكمن هنا المشكلة في والد زوجي رفض نهائيا تركه للجامعة وباءت كل محاولاتنا في الإقناع بالفشل لأنه يقول له أنا تعبت 20 عاما لكي أهيئك لهذا العمل لأنه مظهر اجتماعي مشرف وراحة لزوجي في ساعات العمل، حتى إنه قال لزوجي في آخر مره إقناع افعل ما الذي تريد أن تفعله ولكن اعتبر العلاقات شبه مقطوعة، ولكنى أقول لزوجي بر والدك والله سيحلها من عنده ولكنى تعبت فعلا فأنا أريد العيش في السعودية وهذا كان حلمي من الصغر لكي أربي أولادي في جو إسلامي يعرف الحجاب الصحيح على العكس هنا في مصر حيث التبرج والمكياج والمخالطة منذ الصغر، ولكي أعيش أنا في جو إسلامي وكان حلم زوجي أن يعمل في الخارج من الصغر أيضا . فما الذي يمكن أن نفعله أفيدوني أفادكم الله سريعا لأن العمل لا ينتظر وجزاكم الله عنا كل خير؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن طاعة الولد لوالده واجبة في المعروف، ولكن بشرط أن يكون للوالد في ما يأمر به مصلحة وألا يرجع الأمر في ذلك بالضرر على ولده، وعلى ذلك فما دام الأب يصر على بقاء ابنه في مجال التدريس بالجامعة فيمكن لزوجك أن يبحث عن جامعة أخرى غير هذه الجامعات المختلطة سواء في مصر كجامعة الأزهر مثلا أو غيرها من البلدان الإسلامية، فإن تعذر ذلك على الابن فحينئذ لا تلزمه طاعة أبيه لأن الطاعة إنما تكون في المعروف، وبقاء زوجك في هذه الجامعات المختلطة ليس من المعروف بل هو مظنة الفتنة والشر ولا ينفك في الغالب عن معصية الله وتعدي حدوده، بالإضافة إلى أن بقاء زوجك في هذا المجال يعود عليه بالضرر لأنه لا يحصل على المال الكافي فتضطرين أنت للعمل في هذه البيئات الرديئة مع عدم قدرتك على الالتزام بالنقاب بسبب هذا العمل، وهذا فيه من المفسدة ما فيه، لذا فالواجب على زوجك أن يحاول إقناع أبيه مرة أخرى وأن يضع بين يديه هذه المفاسد الناتجة عن بقائه في هذا المجال فإن أصر الأب على موقفه فليخالفه ابنه وليفعل ما فيه مصلحته الدينية والدنيوية ولا حرج عليه في ذلك إن شاء الله، فقد نص أهل العلم على أن أمر الوالد لولده إذا كان لغير مصلحة معتبرة شرعا وصادرا عن مجرد حمق فإن الولد لا يلتفت إليه.
قال العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله:...... وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق لم يلتفت إليه أخذا مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته، وكذا يقال في إرادة الولد لنحو الزهد ومنع الوالد له أن ذلك إن كان لمجرد شفقة الأبوة فهو حمق وغباوة فلا يلتفت له الولد في ذلك. انتهى.
على أن كثيرا من أهل العلم قد أجاز للولد السفر لغير الجهاد ولو بغير إذن الوالدين كما بيناه في الفتوى رقم: 60672.
ولكن على زوجك بعد هذا أن يجتهد في استرضاء أبيه واستمالة قلبه بكل سبيل، وما دام زوجك سيفعل هذا فرارا بدينه من الفتن وابتغاء رضوان الله فإن الله بفضله ورحمته سيرضي عنه أباه ولو بعد حين إن شاء فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله الناس ومن أسخط الله برضى الناس وكله الله إلى الناس. ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة وقال صحيح، وروي بلفظ: من طلب محامد الناس بمعصية الله عاد حامده ذاما.
وأخرج الترمذي وعبد الغني المقدسي: كتب معاوية إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه ولا تكثري علي، فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية: سلام عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. (صحيح). وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: من أسخط الله في رضى الناس سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه من أسخطه في رضاه حتى يزينه ويزين قوله وعمله في عينه. انتهى.
وراجعي ضوابط طاعة الوالدين في الفتوى رقم: 76303.
وراجعي حكم ترك العمل المختلط خلافا لرغبة الوالدين في الفتوى رقم: 105322.
والله أعلم.