الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن المعروف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد لصاحبه أن يتعرض للأذى بدرجة ما، فقد قال الله تعالى على لسان لقمان الحكيم في موعظته لابنه: وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور {لقمان : 17}.
قال السعدي: لما علم أنه لا بد أن يبتلى إذا أمر ونهى، وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس، أمره بالصبر على ذلك. اهـ.
وبهذا أمر الله تعالى نبيه فقال: واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا {المزمل : 10}.
قال السعدي: أمره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه ويسبون ما جاء به، وأن يمضي على أمر الله لا يصده عنه صاد ولا يرده راد، وأن يهجرهم هجرا جميلا، وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة، الهجر الذي لا أذية فيه، فيقابلهم بالهجر والإعراض عنهم وعن أقوالهم التي تؤذيه، وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن. اهـ.
فالسائل الكريم إن بين حكم الله والتزم بما يجب عليه، وأدى حق النصيحة فلا يضره بعد ذلك رد كلامه والاستهزاء به، وينبغي أن لا يخرجه جهل الجاهلين عن أدب الإسلام في الدعوة إلى الله تعالى، والذي بينه الله تعالى بقوله: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين*وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين*واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون* إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون {النحل:128،127،126،125}.
وقال السعدي ـ أيضا: ليكن دعاؤك للخلق ـ مسلمهم وكافرهم ـ إلى سبيل ربك بالحكمة أي: كل أحد على حسب حاله وفهمه وقوله وانقياده، ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها والنواهي من المضار وتعدادها، وإما بذكر إكرام من قام بدين الله وإهانة من لم يقم به، وإما بذكر ما أعد الله للطائعين من الثواب العاجل والآجل، وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل، فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق، أو كان داعية إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا، ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها، فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها.
ثم قال تعالى مبيحا للعدل ونادبا للفضل والإحسان: وإن عاقبتم. من أساء إليكم بالقول والفعل. فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به. من غير زيادة منكم على ما أجراه معكم. ولئن صبرتم. عن المعاقبة وعفوتم عن جرمهم. لهو خير للصابرين. من الاستيفاء وما عند الله خير لكم وأحسن عاقبة، كما قال تعالى: فمن عفا وأصلح فأجره على الله.
ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على دعوة الخلق إلى الله والاستعانة بالله على ذلك وعدم الاتكال على النفس فقال: واصبر وما صبرك إلا بالله. هو الذي يعينك عليه ويثبتك. ولا تحزن عليهم. إذا دعوتهم فلم تر منهم قبولا لدعوتك، فإن الحزن لا يجدي عليك شيئا. ولا تك في ضيق. أي: شدة وحرج. مما يمكرون. فإن مكرهم عائد إليهم وأنت من المتقين المحسنين، والله مع المتقين المحسنين، بعونه وتوفيقه وتسديده. اهـ.
وأما بخصوص مسألة الاحتفال بعيد أول السنة الميلادية ـ الكريسماس ـ فقد سبق لنا تفصيلها في الفتوى رقم: 26883، وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 109648، 93281، 2130.
والله أعلم.