السؤال
سيدي سؤالي هو: نسمع في الأخبار ـ عبر شاشات التلفاز كثيرا ـ من يقول عن ملك من الملوك: صاحب الجلالة، فهل يجوز أن نقول ذلك؟ أفتوني، ففي عملي أتعرض كثيرا إلى أن أكتب هذه العبارة، وهل علي وزر إذا كتبتها أو قلتها؟ فأنا أعلم أن الله هو ذو الجلال والإكرام.
وأيضا ـ هناك أسماء تأتيني وعلي كتابتها مثل: عبد الفاضل، عبد النبي، فهل علي وزر إذا كتبتها؟ وهناك من يسمى باسم من أسماء الله مثل: الحميد، وقد وجدت من يسمى: الرحمان ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ وعند كتابتها أكتبها حميد، لكن أحيانا تجب كتابة الاسم في أوراق رسمية، وإذا لم أكتبه كما هو فسيتعب صاحبه في تصحيح الخطإ، فماذا علي فعله؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما قول صاحب الجلالة، فقال الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله: لا بأس بها إذا كان من قيلت فيه أهلا لذلك، ولم يخش منه الترفع والإعجاب بالنفس، وكذلك أرجو وآمل.
وممن أباح هذا: فضيلة الشيح: محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ من كبار علماء المملكة ممن تولى الإفتاء في عصره وهذا ظاهر في فتاواه في مواضع كثيرة يصعب حصرها
.
فلا حرج عليك في كتابة: صاحب الجلالة، أو قولها، وجلال المخلوق غير جلال الخالق، ومجرد المشابهة في اللفظ لا تقتضي المشابهة في الحقيقة.
وأما الأسماء المذكورة ـ والتي قد يضطر السائل إلى كتابتها ـ فقد سبق بيان عدم جواز التسمي بأي اسم معبد لغير الله: كعبد النبي، أو عبد الرسول ونحو ذلك، كما في الفتوى رقم: 20130.
وكذلك اسم عبد الفاضل لا يجوز، فالفاضل ليست من أسماء الله الثابتة له سبحانه.
وأما كتابتك لهذه الأسماء عند معاملة أصحابها في الأوراق الرسمية أو في عملك: فلا إثم عليك فيه، لأن باب الإخبار أوسع من باب التسمية، والمحظور هو أن نسمي بهذا الاسم، أما الخبر عن واقع موجود، فلا يحرم، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب. رواه البخاري ومسلم. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم نسب نفسه إلى اسم فيه تعبيد لغير الله إخبارا وليس إفتاء. وقد حرم جمهور العلماء التسمي بعبد المطلب، كما أوضحنا في الفتوى رقم: 24481. ولم يحرموا كتابتها أو قولها، كيف وقد قالها النبي صلى الله عليه وسلم؟.
قال ابن القيم: وقوله صلى الله عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب. فليس من باب إنشاء التسمية، بل من باب الإخبار بالاسم الذي عرف به المسمى، والإخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم، فباب الإخبار أوسع من باب الإنشاء. اهـ من تحفة الودود.
قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في فتاويه: وهذا وجه قوي لا إشكال في قوته. اهــ.
وكذلك هناك أسماء كثيرة معبدة لغير الله ولا زال أهل العلم يكتبونها في كتبهم ويتناقلونها كأسماء القبائل العربية قبل الإسلام: كبني عبد القيس، وفي الصحيحين وغيرهما حديث الصحابي: أشج عبد القيس، وراجع الفتوى رقم: 121519.
وأما اسم الحميد: فيجوز أن يطلق على الإنسان على المعنى اللائق به، ولا حرج في هذا، فيجوز لك كتابته ومن فتاوى اللجنة الدائمة في السعودية ـ في بيان ما يصح أن يطلق على الإنسان من أسماء الله وما لا يصح: ما كان من أسماء الله تعالى علم شخص كلفظ ـ الله ـ امتنع تسمية غير الله به، لأن مسماه معين لا يقبل الشركة، وكذا ما كان من أسمائه في معناه في عدم قبول الشركة كالخالق والبارئ، فإن الخالق من يوجد الشيء على غير مثال سابق، والبارئ من يوجد الشيء بريئا من العيب، وذلك لا يكون إلا من الله وحده، فلا يسمى به إلا الله تعالى.
أما ما كان له معنى كلي تتفاوت فيه أفراد من الأسماء والصفات: كالملك والعزيز والجبار والمتكبر، فيجوز تسمية غيره بها، فقد سمى الله نفسه بهذه الأسماء وسمى بعض عباده بها، مثال: قالت امرأة العزيز... إلى أمثال ذلك، ولا يلزم التماثل، لاختصاص كل مسمى بسمات تميزه عن غيره، وبهذا يعرف الفرق بين تسمية الله بلفظ الجلالة وتسميته بأسماء لها معان كلية تشترك أفرادها فيها، فلا تقاس على لفظ الجلالة. هـ.
فلا حرج عليك في كتابة مثل هذه الأسماء المذكورة في السؤال، وإنما الحرج على من يسمي بها أو لا يغيرها مع استطاعته، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 59488 .
والله أعلم.