الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذكر السائل ـ وفقه الله ـ عن صاحبه هذا أنه تخلى عن الإسلام، وأنه حاول أن يقنعه بالإسلام فلم يفلح، وهذه ردة والعياذ بالله، ومن كانت هذه صفته، واستفرغ الإنسان وسعه في نصيحته فلم يقبل، فإنه يجب هجره وبغضه في الله تعالى، ولا تجوز محبته ولا مصادقته؛ فإن أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله.
روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب، قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي عرى الإسلام أوسط؟ قالوا: الصلاة. قال: حسنة وما هي بها، قالوا: الزكاة، قال: حسنة وما هي بها. قالوا: صيام رمضان. قال: حسن وما هو به. قالوا: الحج، قال: حسن وما هو به. قالوا: الجهاد. قال: حسن وما هو به، قال: إن أوسط عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله. وحسنه الألباني بطرقه. وهذه هي عقيدة الولاء والبراء، التي سبق لنا بيان المقصود بها في الفتوى رقم: 32852 .
وليعلم الأخ السائل أن مصاحبة أمثال هذا الرجل المعجب برأيه، الذي خلع ربقة الإسلام من عنقه، لا تفيده بل لا تزيده إلا خبالا.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة" متفق عليه.
وذلك أن الله تعالى خلق الإنسان مدنيا بطبعه، يميل لمخالطة الناس ومجالستهم، ويتأثر بهم ويؤثر فيهم، فالطبع لص والصاحب ساحب، ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتحرى في اختيار الصحبة، ونهانا صلى الله عليه وسلم عن مصاحبة غير المؤمنين ومخالطة غير المتقين، فقال صلى الله عليه وسلم: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي. رواهما أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنهما الألباني.
ثم إننا ننبه السائل على التناقض الظاهر بين دعوى الإيمان بالله وبين رفض الإسلام، فإن الإسلام إنما هو دين الله وشريعته التي أمر بها عباده وأخبر أنه لا يقبل سواها، قال تعالى: إن الدين عند الله الإسلام {آل عمران: 19}وقال سبحانه: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين {آل عمران: 85}
ومن العجيب أن يدعي المرء أنه يؤمن بالله، مع كونه لا يؤمن بالديانات كلها، ويتهمها بنشر التفرقة والكراهية بين الناس والشعوب، وأنها مليئة بالخرافات والتناقضات، والأنكى من ذلك دعواه أن إيمانه بالله هو الذي دفعه إلى نبذ الإسلام وبعض هذا كاف للحكم بردة صاحبه، ناهيك عن اجتماعه، والعياذ بالله.
وأما ما ذكره السائل من حسن خلق صاحبه هذا وفعله للخيرات، فإن هذا إنما ينتفع به المسلم، وأما من رفض الإسلام وتمرد على دين الله، فهذا لا ينفعه عند الله في أخراه شيء من عمله، كما قال تعالى: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا {الفرقان:23}
وقال عز وجل: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا* الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا* أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا* ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا {الكهف:103-106}
وثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. وراجع في ذلك الفتويين: 56735 ، 114257.
وقد سبق أن ذكرنا بعض مخاطر مصادقة الملحد، في الفتوى رقم: 20995. والحد الشرعي للردة، وبعض أحكام التعامل مع المرتد، في هاتين الفتويين: 33562 ، 17338.
والله أعلم.