ماهية الحكمة مع المعاندين للدين

0 260

السؤال

فضيلة الشيخ إننا نحبكم في الله ونطلب منه أن يدخلكم الجنة.
في أحد الأيام شيخنا عبر الفيس بوك عند ما كنت أجيب على ما كتبه أخ لي في الإسلام أتى شاب وتهجم بأسلوب غير لائق، وعندما ذهبت أتصفح صفحته رأيت أنها مليئة بالرموز النازية وكذلك هو منضم إلى مجموعة تسمي نفسها على الفيس بوك أكره الله مما أغضبني وجعلني لا أتمالك نفسي، وطلبت من الأخ أن يمسح هذا الشاب من قائمته حتى حين يغير محتوى صفحته لكن فوجئت أن الأخ قال لي إن هذا الشاب غير مسلم ويتكلم معه منذ مدة وأن عمره 17 سنة، وأنه يحب التعرف على الإسلام وكذلك أنه يتكلم معه من حين لآخر وأبدى له هذا الشاب اهتمامه بالدين الإسلامي، وقال الأخ إن أخلاق هذا الأخ كما سماه طيبة وأن صفحته ومحتواه تتصادم مع أخلاقه، لكن شيخنا بالنسبة لي لم يكن هذا حجة كافية لإقناعي حيث إنه إن كان كما يقول فالأولى تخير الشر الذي يهيمن على صفحته، وكذلك إن كانت نيته حسنة فعليه احترام الأديان الأخرى ومنها الإسلام وسحب انضمامه إلى تلك المجموعة السيئة وخصوصا أن الأخ ليس عنده أي معلومات عن ذلك الشاب إلا ما قاله له إلا أن الانترنت كما تعرفون فيها الخداع والكذب أصبح فيها مثل تنفس الهواء لهذا نصحت الأخ بمسح هذا الشاب من قائمته حتى يغير محتوى صفحته وحتى يبين له ولنا نية حسنة وطلبت منه إن لم يفعل ذلك فأنا سوف أقوم بمسحه من قائمتي لأنني لا أحب أن يكون من بين أصدقائي من يتعامل مع من ينتمي إلى فكر الشر وإلى مجموعات عبر الفيس بوك تدعم الإسلام فوبيا، وهذا ما أدى بذلك الشاب إلى قوله لي إنه هو الذي سوف يمسح ذلك الأخ من قائمته إلا أن الأخ أرسل لي رسالة يقول لي إن ذلك الشاب كان يتكلم معه بنية أن يدخله إلى الإسلام لأنه كان يريد التعرف عليه وأنني بكلامي هذا كنت السبب في إبعاده عن الدخول إلى الإسلام رغم أنه لم يبد أي نية بالنسبة لي، وأن أقواله تتعارض مع هذا وقال لي الأخ إني كنت متكبرا وأن أسلوبي كان أسلوبا قاسيا وأسلوب الذي ينادي بالكراهية، وتسائل إن كنت بهذا الأسلوب سوف أدخل الجنة وعلى أية حال قصدي شيخنا الفاضل هو أنه لا حوار مع من يكره ويعادي الدين الإسلامي والأديان الأخرى وينتمي إلى الفكر النازي حتى يبين لنا نيته الحسنة في التغيير مثلا في موقف هذا الشاب كان أن يغير محتوى صفحته فقط هذا ما كنت أنادي به.
فهل ارتكبت خطأ شيخنا في موقفي هذا؟ وإن كان الجواب نعم فكيف نتعامل مع مثل هذه المواقف؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي نراه أنك لم تخطئ فيما فعلته مع هذا الشخص، لأن الظاهر أن الذي حملك على هذا غيرتك على الدين وبغضك للباطل وما ظهر لك من معاندة هذا الشخص ومحادته لله وإظهاره العداوة للإسلام، ففي مثل هذا الحال تقتضي الحكمة الإغلاظ لمثل هؤلاء ولا يناسبهم الكلام اللين، قال تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم. {العنكبوت: 46}.

قال الجصاص في أحكام القرآن: وقوله تعالى: إلا الذين ظلموا منهم يعني والله أعلم إلا الذين ظلموكم في جدالهم أو غيره مما يقتضي الإغلاظ لهم.

وقال ابن تيمية: فمتى ظلم المخاطب لم نكن مأمورين أن نجيبه بالتي هي أحسن.  مجموع الفتاوى.

لكن ننبهك إلى أمرين:

الأول: أنه لا يجوز للمسلم أن يتحاور مع الكفار في شبهاتهم، دون أن يكون على علم يمكنه من دفع الأباطيل وبيان الحق، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 40373.

الثاني: أن رحمة المسلم لا تقتصر على المسلمين، بل تتسع حتى للكفار المعاندين، ورحمته إياهم هي التي تحمله على دعوتهم إلى الله على بصيرة والصبر على أذاهم، استنقاذا لهم من النار، ونأيا بهم عن غضب الله تعالى، وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن يتعامل به المسلم مع الكفار حين دعوتهم، وذلك يحتاج إلى صبر وهجر جميل، كما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا. {المزمل: 10}.

 قال السعدي: أمره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه ويسبون ما جاء به، وأن يمضي على أمر الله، لا يصده عنه صاد، ولا يرده راد، وأن يهجرهم هجرا جميلا وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا أذية فيه، فيقابلهم بالهجر والإعراض عنهم وعن أقوالهم التي تؤذيه، وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن. اهـ.

فإذا دعا المسلم إلى الله بعلم وحكمة وبين وجه الصواب وأدى حق النصيحة، فلا يضره بعد ذلك رد كلامه والاستهزاء به والسخرية منه، وينبغي أن لا يخرجه جهل الجاهلين عن أدب الإسلام في الدعوة إلى الله تعالى، ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، وعلى أية حال فقد سبق لنا بيان أساليب الحوار مع المخالفين في القرآن الكريم، في الفتوى رقم: 114663. كما تقدم لنا الكلام عن وسائل وطرق دعوة الكفار في عدة فتاوى، ومنها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 18262، 23179، 21363، 29347.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة