الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا رأيت الدم في زمن يمكن أن يكون فيه حيضا فهو دم حيض، وإن كان في زمن لا يمكن أن يكون الدم فيه حيضا فهو دم استحاضة، وقد بينا الزمن الذي يمكن أن يكون الدم فيه حيضا في الفتوى رقم: 1182860. وبينا حكم الدم العائد في الفتوى رقم: 100680.
والخلاصة أن أكثر مدة الحيض هي خمسة عشر يوما، فإذا انقطع الدم لأقل من هذه المدة فهو دم حيض، وإذا تجاوزها تبين أنه دم استحاضة، وأقل مدة الطهر بين الحيضتين هي خمسة عشر يوما عند الجمهور، فإذا عاد الدم بعد مضي أكثر من خمسة عشر يوما من انقطاعه فهو حيض، وإن عاد بعد مرور أقل من خمسة عشر يوما فله حالان:
الأولى: أن يمكن ضمه إلى ما قبله بحيث يصير حيضة واحدة وذلك بأن تكون مدة الدمين وما بينهما من طهر لا تتجاوز خمسة عشر يوما، ففي هذه الحال يكون هذا الدم حيضا بضمه إلى ما قبله.
والحال الثانية: ألا يمكن ذلك بأن يكون مجموع أيام الدمين وما بينهما من نقاء يزيد على خمسة عشر يوما فحينئذ يحكم بكون هذا الدم العائد دم استحاضة، وبهذا التفصيل تعلمين ما يجب عليك إذا رأيت الدم وإذا عاودك بعد انقطاعه، فإذا كان الدم محكوما بكونه استحاضة فإن الواجب عليك أن تصلي كما تصلي الطاهرات، فإذا وجدت وقتا يسع لفعل الطهارة والصلاة دون أن ينزل منك شيء من الدم وجب عليك أن تتحري هذا الوقت فتصلي فيه.
وإن كان الدم مستمرا كل الوقت فإنك تتوضئين بعد دخول الوقت وتصلين بوضوئك ذاك الفرض وما شئت من النوافل، حتى يخرج ذلك الوقت، وتتحفظين بشد خرقة أو نحوها على الموضع تحرزا من انتشار النجاسة في الثياب.
وإذا كنت قد تركت شيئا من الصلوات في الزمن المحكوم بكونه استحاضة، فالواجب عليك قضاء تلك الصلوات في قول الجمهور، وفي المسألة خلاف بيناه في الفتوى رقم: 125226وما ذكرناه من وجوب القضاء هو الأحوط.
ونرجو ألا يكون عليك إثم ترك الصلاة لجهلك بحكم الشرع وإن كان الواجب عليك أن تسألي أهل العلم عما أشكل عليك.
وننبه ههنا إلى أن مذهب الحنابلة أن كل دم تراه المرأة بعد الخمسين فإنه دم استحاضة فإن أكثر سن الحيض عندهم خمسين سنة، والراجح قول الجمهور وأنه لا حد لأكثر الحيض.
جاء في الروض مع حاشيته لابن قاسم: ولا حيض بعد خمسين سنة يعني فمتى بلغت المرأة خمسين فليس بحيض فلا تجلسه، وعنه: لا حد لأكثره وفاقا لأبي حنيفة، واختاره الشيخ وغيره، وصححه في الكافي، وصوبه في الإنصاف، وقال مالك والشافعي: ليس له حد، وإنما الرجوع فيه إلى العادات في البلدان. اهـ. فتجلس عادة جلوسها في عادة حيضها، ولا تسمى آيسة حتى ينقطع لكبر أو تغير لقوله: { واللائي يئسن } الآية وهو أحوط وعليه العمل. انتهى.
والله أعلم.