جواب شبهة حول بشرية عيسى عليه السلام وعبوديته لله

0 349

السؤال

يؤكد لى المسيحيون أن المسيح عليه السلام إله، فقلت لهم فلماذ ا لا تقولون إن آدم إله مثلا؟ فقالوا لي إن آدم مخلوق أما عيسى فمولود فأبوه هو الله فأنت مثلا إذا ذهبت لعمل بطاقة شخصية فستكتب اسمك ثم اسم أبيك. فهذا المسيح هو ابن الله. فما ردكم بالله عليكم نرجو الرد بالدين والعقل وبكل شيء؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

 فالذي يعرف معنى الإله الحق، وما ينبغي له من صفات الكمال وما يتنزه عنه من  صفات النقص، لا يشك ولا يماري في وحدانية الله الأحد الصمد جل وعلا. فنحن المسلمين نعتقد أن الإله الحق هو الخالق لكل شيء، العليم بكل شيء، القادر على كل شيء، الغني بذاته عن كل شيء، الذي يفتقر إليه كل شيء، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. هو الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، الحي الذي لا يموت، القيوم الذي لا ينام: سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم* له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء *هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم*هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير* له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور*يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور. {الحديد:1-6}.

 ومن تدبر ذلك كان كافيا وشافيا له من وساوس شياطين الإنس والجن، فإن اتخاذ الولد لا يليق بمقام الربوبية والألوهية، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، ولذلك لما ذكر الله تعالى قصة عيسى عليه السلام في سورة مريم ختمها بقوله: ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. {مريم:35}.

 ثم قال سبحانه في آخر السورة: وقالوا اتخذ الرحمن ولدا* لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ * إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا. {مريم:88، 93}.

وهذا كثير في القرآن أن ينزه الله تعالى نفسه عن اتخاذ الولد.

 كما قال عز وجل: وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون* بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. {البقرة:117،116}.

 وقال تبارك وتعالى: قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون. {يونس:68}

ثم إنه من المعلوم أنه لو كان لله سبحانه ولد، لكان إلها كما يعتقد النصارى، ووجود إلهين في الكون من أبطل الباطل وأمحل المحال.

 كما قال تعالى: ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون (91) عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون. {المؤمنون:92،91}.

وراجع في ذلك الفتوى رقم: 129287.

 ولظهور هذه الحقيقة قال الله تعالى مخاطبا أهل الكتاب: لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا. {النساء: 171}.

ثم إن حياة المسيح عليه السلام لا تدع مجالا للشك أنه بشر من خلق الله، فإنه لا يصح أن يوصف بالألوهية من لا يتصف بكل صفات الكمال، فضلا عن أن يتصف بضدها، وهذا من أظهر وأيسر الحجج على بشرية المسيح، ولا يماري فيها إلا مكابر.

 قال تعالى: ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون. {المائدة: 75}.

 قال ابن كثير: قوله: { كانا يأكلان الطعام } أي: يحتاجان إلى التغذية به، وإلى خروجه منهما، فهما عبدان كسائر الناس وليسا بإلهين كما زعمت فرق النصارى الجهلة، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. ثم قال تعالى: { انظر كيف نبين لهم الآيات }. أي: نوضحها ونظهرها { ثم انظر أنى يؤفكون }. أي: ثم انظر بعد هذا البيان والوضوح والجلاء أين يذهبون؟ وبأي قول يتمسكون؟ وإلى أي مذهب من الضلال يذهبون؟ اهـ.

وقال البغوي: { كانا يأكلان الطعام } أي: كانا يعيشان بالطعام والغذاء كسائر الآدميين، فكيف يكون إلها من لا يقيمه إلا أكل الطعام؟ وقيل: هذا كناية عن الحدث، وذلك أن من أكل وشرب لا بد له من البول والغائط، ومن هذه صفته كيف يكون إلها. اهـ.

وقال ابن عاشور: استدل على بشريتهما بإثبات صفة من صفات البشر، وهي أكل الطعام. وإنما اختيرت هذه الصفة من بين صفات كثيرة لأنها ظاهرة واضحة للناس، ولأنها أثبتتها الأناجيل؛ فقد أثبتت أن مريم أكلت ثمر النخلة حين مخاضها، وأن عيسى أكل مع الحواريين يوم الفصح خبزا وشرب خمرا، وفي إنجيل لوقا إصحاح 22 وقال لهم اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم لأني لا آكل منه بعد، وفي الصبح إذ كان راجعا في المدينة جاع. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح): وهذا من أظهر الصفات النافية للإلهية، لحاجة الآكل إلى ما يدخل في جوفه، ولما يخرج منه مع ذلك من الفضلات، والرب تعالى أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. اهـ.

وهاك دليل آخر لا يدع مجالا للشك عند من له مسكة من عقل، فقد قال عز وجل: بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم. {الأنعام: 101}.

 قال ابن كثير: أي: كيف يكون له ولد ولم تكن له صاحبة؟ أي: والولد إنما يكون متولدا عن شيئين متناسبين، والله لا يناسبه ولا يشابهه شيء من خلقه؛ لأنه خالق كل شيء، فلا صاحبة له ولا ولد ... { وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم }. فبين تعالى أنه الذي خلق كل شيء، وأنه بكل شيء عليم، فكيف يكون له صاحبة من خلقه تناسبه؟ وهو الذي لا نظير له فأنى يكون له ولد؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. اهـ.

وأما مسألة الاستدلال بخلق آدم على خلق عيسى عليهما السلام، فهو استدلال متين في غاية الظهور، ذكره الله تعالى بعد قصة المسيح عليه السلام في سورة آل عمران فقال: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون. {آل عمران:59}.

 قال ابن عاشور: وهذا شروع في إبطال عقيدة النصارى من تأليه عيسى ورد مطاعنهم في الإسلام، وهو أقطع دليل بطريق الإلزام؛ لأنهم قالوا بإلاهية عيسى من أجل أنه خلق بكلمة من الله وليس له أب، فقالوا: هو ابن الله. فأراهم الله أن آدم أولى بأن يدعى له ذلك، فإذا لم يكن آدم إلها مع أنه خلق بدون أبوين فعيسى أولى بالمخلوقية من آدم. ومحل التمثيل كون كليهما خلق من دون أب، ويزيد آدم بكونه من دون أم أيضا، فلذلك احتيج إلى ذكر وجه الشبه بقوله: { خلقه من تراب }. أي خلقه دون أب ولا أم، بل بكلمة كن، مع بيان كونه أقوى في المشبه به على ما هو الغالب. وإنما قال: (عند الله) أي نسبته إلى الله لا يزيد على آدم شيئا في كونه خلقا غير معتاد لكم، لأنهم جعلوا خلقه العجيب موجبا للمسيح نسبة خاصة عند الله وهي البنوة. اهـ.

ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 10326 ، 30506 ، 9985 ، 23135 ، 20818 ، 27986 ، 116838 ، 20895.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات