مسائل حول التشبه بالمشركين في اللباس

0 385

السؤال

ذكرتم في كثير من الفتاوى أن بعض اللباس لا يجوز ـ إن حصل به التشبه بالكفار أو الفساق ـ كما في الفتوى رقم:128790، فهل هذه الحرمة معتبرة بالنية ـ أي نية اللابس التشبه بهم؟ أم بمجرد حصول التشبه بالكفار أو الفساق؟.
وذكرتم أن بعض اللباس يجوز بعد أن انتشر في بلاد المسلمين ـ وإن كان أصله مأخوذا من الكفار ـ وذلك في الفتوى رقم: 21112.
والسؤال هو: هل أول إنسان لبس هذا اللباس المأخوذ ـ في الأصل ـ من الكفار عليه إثم أم لا؟ وهل أثمت أول مجموعة من المسلمين الذين لبسوا هذا اللباس المذكور وصار بعدهم منتشرا بين المسلمين جميعا؟ وهل صار بعد أن أثموا مباحا للمسلمين؟ ومثال على هذه الألبسة: البدلة ذات الكرفت، والجينز.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن التشبه المنهي عنه يحصل بتحقق المشابهة في الصورة، ولا تشترط له نية ـ سواء كان ذلك في اللباس أو غيره ـ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الغروب معللا ذلك النهي بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان وأنه حينئذ يسجد لها الكفار، ومعلوم أن المؤمن لا يقصد السجود إلا لله تعالى وأكثر الناس قد لا يعلمون أن طلوعها وغروبها بين قرني شيطان ولا أن الكفار يسجدون لها ثم إنه صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة في هذا الوقت حسما لمادة المشابهة بكل طريق.

ولهذا، نهى عن الصلاة إلى ما عبد من دون الله في الجملة ـ وإن لم يكن العابد يقصد ذلك ـ ولهذا ينهى عن السجود لله بين يدي الرجل ـ وإن لم يقصد الساجد ذلك ـ لما فيه من مشابهة السجود لغير الله، فعن جابر قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا بالمدينة فصرعه على جذع نخلة فانفكت قدمه فأتيناه نعوده فوجدناه في مشربة لعائشة يسبح جالسا، قال: فقمنا خلفه فسكت عنا ثم أتيناه مرة أخرى نعوده فصلى المكتوبة جالسا فقمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا قال: فلما قضى الصلاة قال: إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا، وإذا صلى الإمام قائما فصلوا قياما ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها.

ففي هذا الحديث أنه أمرهم بترك القيام الذي هو فرض في الصلاة وعلل ذلك بأن قيام المأمومين مع قعود الإمام يشبه فعل فارس والروم بعظمائهم في قيامهم وهم قعود، ومعلوم أن المأموم إنما نوى أن يقوم لله، لا لإمامه وهذا تشديد عظيم في النهي عن القيام للرجل القاعد، ونهى ـ أيضا ـ عما يشبه ذلك ـ وإن لم يقصد به ذلك ـ ولهذا نهى عن السجود لله بين يدي الرجل وعن الصلاة إلى ما عبد من دون الله كالنار ونحوها.

وفي هذا الحديث ـ أيضا ـ نهي عما يشبه فعل فارس والروم ـ وإن كانت نيتنا غير نيتهم ـ لقوله: فلا تفعلوا فهل بعد هذا في النهي عن مشابهتهم في مجرد الصورة غاية؟.

والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه وهو نادر ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذا عن ذلك الغير.

 فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله ـ أيضا ـ ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه، ففي كون هذا تشبها نظر لكن قد ينهى عن هذا، لئلا يكون ذريعة إلى التشبه، ولما فيه من المخالفة كما أمر بصبغ اللحى وإعفائها وإحفاء الشوارب مع أن قوله صلى الله عليه وسلم: غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود.

دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا ولا فعل، بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية.

من اقتضاء الصراط المستقيم مع حذف.

وانظر الفتويين رقم: 12329، ورقم: 123470.

ومن القواعد المقررة أن الحكم يزول بزوال سببه، وأنه يدور مع علته وجودا وعدما، فإذا كانت العلة في تحريم لباس ما هي التشبه، فحيثما وجد التشبه وجد التحريم، وحيثما زال زال التحريم، ومن ثم، قد يكون اللباس محرما في وقت أو مكان ما، ويكون مباحا في وقت أو مكان آخر، فإذا لبس المسلم ملابس الكفار في وقت أو مكان كانت فيه تلك الملابس مختصة بهم وشعارا لهم، فإنه يأثم بذلك ـ سواء كان ذلك فيما مضى أو فيما يستقبل من الزمان ـ بخلاف ما لو لبسها في زمان أو مكان لا تكون فيه تلك الملابس مختصة بالكفار وشعارا لهم، فلا يأثم بذلك ـ اللهم ـ إلا إذا لبسها المرء لا يلبسها إلا لأن الكفار يلبسونها، فعندئذ يدخل هذا في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن تشبه بقوم فهو منهم.

على أن الأولى للمسلم تركها ـ على كل حال ـ وانظر الفتويين رقم: 579، ورقم: 64256.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة