السؤال
أشعر بالملل فى العبادات فماذا أفعل فالإنسان كل يوم سيسمع خطبا دينية ودورسا دينية وهكذا فكيف سيسلي وقته ويرفه عن نفسه؟
أشعر بالملل فى العبادات فماذا أفعل فالإنسان كل يوم سيسمع خطبا دينية ودورسا دينية وهكذا فكيف سيسلي وقته ويرفه عن نفسه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد روى الحافظ ابن أبي الدنيا في كتاب (العقل وفضله) عن وهب بن منبه قال: مكتوب في حكمة آل داود عليه السلام: حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه. وساعة يحاسب فيها نفسه. وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه. وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذتها فيما يحل ويجمل؛ فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات وإجماما للقلوب. وحق على العاقل ألا يرى ظاعنا في غير ثلاث: زاد لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم.
فكما أن الحكمة والعقل يقضيان بأن المرء لا بد له من وقت يروح فيه عن نفسه، فإنهما يقضيان في الوقت ذاته أن ذلك لا بد أن يكون نائيا عن مساخط الله، بعيدا عن محارمه، فيتمتع المرء بما أحل الله دون أن يتعدى حدوده.
قال تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين* قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون. {الأعراف:32،31}.
قال السعدي: يقول تعالى منكرا على من تعنت، وحرم ما أحل الله من الطيبات: { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده }. من أنواع اللباس على اختلاف أصنافه، والطيبات من الرزق، من مأكل ومشرب بجميع أنواعه، أي: من هذا الذي يقدم على تحريم ما أنعم الله بها على العباد، ومن ذا الذي يضيق عليهم ما وسعه الله؟ وهذا التوسيع من الله لعباده بالطيبات جعله لهم ليستعينوا به على عبادته. اهـ.
وهذا القدر المعقول من زينة الدنيا ومتاعها المباح، الذي يستعين به المؤمن على سيره إلى الله، هو الذي عناه النبي صلى الله عليه في حديث حنظلة المشهور، حيث قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظنا فذكر النار، قال: ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة، قال: فخرجت فلقيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله نافق حنظلة! فقال: مه؟ فحدثته بالحديث فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل. فقال: يا حنظلة ساعة وساعة، ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطرق. رواه مسلم.
والمقصود أن حد الاعتدال المطلوب هو أن يجمع المرء بين مصالح دينه ودنياه، وبين أداء حق ربه وحق نفسه وحقوق من حوله، فيضع كل شيء في موضعه، ويعطي كل ذي حق حقه. وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتوى رقم: 6496.
وبهذا يتبن للسائل الكريم أنه لا يوجد تعارض بين القيام بأنواع العبادة ـ ومنها تعلم العلم وسماع الدروس والخطب ونحو ذلك ـ وبين الترفيه المباح والترويح عن النفس، بل ينبغي أن يحتسب العبد الأجر على ذلك، كما في كلام وهب السابق: فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات وإجماما للقلوب.
ولا بد أن ينتبه السائل إلى أن الشعور بالملل حال العبادة والفتور عن ذلك له أسبابه، وله كذلك وسائل علاجه، وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 17666 ، 115157 ، 117572، 121317 ، 124567 ، 131435.
والله أعلم.