السؤال
منذ سنوات قرأت كلاما للشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ مفاده: أن المسبوق إذا كبر تكبيرة الإحرام والإمام راكع ثم ركع والإمام يقوم حينها - أي لم يركع معه - فإنه يكون أدرك الركعة بذلك, لأن العبرة بإدراك الإمام راكعا لا بالركوع معه، وهو ظاهر الحديث, وأنا أدين بذلك من حينها، مع علمي بأن الجمهور على خلاف ذلك, وأن الخلاف قائم على اجتهاد في فهم النص، وأنا الآن أبحث في المسألة بمزيد من التعمق وأريد فهم وجه الاستدلال لكل قول, ولكن ـ للأسف ـ لم أظفر بذلك, وقد بحثت في موقعكم وقرأت الفتوى رقم: 119853, ولكنني بحاجة لمزيد من التفصيل فيما يتعلق بمعرفة القائلين بهذا القول وبذاك, وما رد به الجمهور على استدلال من رأى إدراك الركعة بالتكبير للمسبوق والامام راكع ـ ولو لم يركع معه ـ مع مزيد بسط للأدلة.
وجزاكم الله خيرا وجعلكم مفاتيح للخير مغاليق للشر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد
فما نسبته للعلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ لا نظنه صحيح النسبة إليه، والذي وقفنا عليه من كلامه هو ما يوافق كلام كثير من أهل العلم وهو المعتمد في مذهب الحنابلة ـ وأنه لا بد من الركوع مع الإمام، ولا يشترط إدراك الطمأنينة معه، بل يكفي مجرد إدراك الركوع قبل أن يرفع الإمام رأسه ـ والذي نظنه: أن الأمر قد اشتبه عليك وأنك أخطأت في فهم كلام الشيخ، وهاك ما يدل على ما ذكرناه من كلامه، قال ـ رحمه الله: فمتى كبر مع الإمام واستوى راكعا قبل أن يرفع الإمام فقد أدرك الركعة ـ ولو لم يأت بالتسبيح إلا بعد رفع الإمام ـ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: من أدرك ركعة في الصلاة فقد أدرك الصلاة.
وفي لفظ: من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة.
ولحديث أبي بكرة الثقفي: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، ثم دخل في الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصا ولا تعد.
رواه البخاري في صحيحه.
ولم يأمره بقضاء الركعة، فدل ذلك على صحتها وإجزائها.
انتهى.
وقال ـ رحمه الله ـ أيضا: ج: إذا أدرك المأموم الإمام راكعا أجزأته الركعة ـ ولو لم يسبح المأموم إلا بعد رفع الإمام ـ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة.
انتهى.
وهذا الذي اختاره الشيخ: من أنه لا بد من إدراك الركوع، ليكون مدركا للركعة هو الصواب، خلافا لزفر ـ صاحب أبي حنيفة ـ كما بيناه في الفتوى التي ذكرت رقمها، وما اختاره الشيخ من كونه لا يشترط إدراك الطمأنينة وأنه يكفي إدراك الإمام قبل أن يرفع رأسه من الركوع هو المعتمد عند الحنابلة ـ كما قدمنا ـ وفي المذهب رواية أخرى باشتراط إدراك الطمأنينة، قال في الإنصاف: قوله: ومن أدرك الركوع أدرك الركعة ـ هذا المذهب مطلقا ـ سواء أدرك معه الطمأنينة أو لا ـ إذا اطمأن هو، وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع والفائق.
وقيل: يدركها إن أدرك معه الطمأنينة، وأطلقهما في المغني والشرح والرعاية الكبرى وابن تميم وبن عقيل والمستوعب والحاويين تبعا لابن عقيل.
انتهى.
والرواية المعتمدة في المذهب ـ وهي عدم اشتراط الطمأنينة ـ هي مذهب الجماهير، جاء في الروض مع حاشيته: فيدرك الركعة إذا اجتمع مع الإمام في الركوع بحيث ينتهي إلى قدر الإجزاء، قبل أن يزول الإمام عنه أي: عن قدر الإجزاء منه، وهو قدر ما يمس الوسط في الخلقة ركبتيه بيديه، وحكى ابن العربي وغيره الإجماع عليه.
وقال الزين العراقي: مذاهب الأئمة الأربعة - وعليه الناس قديما وحديثا - إدراك الركعة بإدراك الركوع بأن يلتقي هو وإمامه في حد أقل الركوع.
انتهى.
ولعله بهذا التقرير والبيان أن يكون قد زال عنك الإشكال واللبس في هذه المسألة.
والله أعلم.