السؤال
ما الحكم في قول ابني الصغير الذي عمره سنتان ضرب جده -أخ أم زوجتي- (في غيبته) هل يعتبر غيبة؟ وأنا ما أعرف هذا الشخص يكره أو ما يكره هذا الكلام عليه، ولكن أعرف أن الأجداد معروفون بحب أحفادهم بالذات الأطفال. أرجو التفصيل بالأدلة، وهل يعتبر غيبة إذا سمعت غيبة على شخص معين وذكروا اسمه لكن أنا ما أعرف شكله، فقط أعرف اسمه هل يعتبر شخصا غير معلوم، ليست غيبة بالنسبة لي أرجو التوضيح والتفصيل بالأدلة؟ جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن السؤال غير واضح، ومع ذلك فإنه ينبغي للإنسان أن لا يكثر الحديث بما لا فائدة فيه، ويتأكد الأمر عند الشك في كون الكلام غيبة، فالأولى شغل الوقت بما يفيد من تعلم أو تلاوة أو ذكر واستغفار ففي صحيح مسلم عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار... انتهى.
وقال النووي في رياض الصالحين: اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. متفق عليه.
وهذا صريح في أنه ينبغي أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرا، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة فلا يتكلم. انتهى.
وأما الغيبة المحرمة فهي ذكر الإنسان لأخيه بما يكرهه، مثل الأمور التي فيها تنقيص له أو غض من كرامته أو استهزاء به أو ذكر عيوبه ومساوئه ونحو ذلك، ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الغيبة ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فقد بهته.
قال الحافظ في الفتح: وقد اختلف في حد الغيبة وفي حكمها. فأما حدها فقال الراغب: هي أن يذكر الإنسان عيب غيره من غير محوج إلى ذكر ذلك، وقال الغزالي: حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه. وقال ابن الأثير في النهاية: الغيبة أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه. وقال النووي في الأذكار تبعا للغزالي: ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص أو دينه أو دنياه أو نفسه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو والده أو ولده أو زوجه أو خادمه أو ثوبه أو حركته أو وطلاقته أو عبوسته أو غير ذلك مما يتعلق به سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز، قال النووي: وممن يستعمل التعريض في ذلك كثير من الفقهاء في التصانيف وغيرها كقولهم: قال بعض من يدعي العلم أو بعض من ينسب إلى الصلاح أو نحو ذلك مما يفهم السامع المراد به. ومنه قولهم عند ذكره الله يعافينا الله يتوب علينا نسأل الله السلامة ونحو ذلك فكل ذلك من الغيبة... انتهى.
والذي يغلب على الظن أن الجد لا يسوؤه ذكر ضرب الحفيد له، وما دام حفيده في العمر المذكور في السؤال، وعليه لا يحصل الاغتياب بمجرد حكاية خبر الولد ما لم يرد بذلك تنقص الجد.
وأما من اغتيب شخص بحضرته فلا يجوز له استماع الغيبة وإقرارها، والرضى بها والضحك مع المغتاب فمن فعل ذلك يعتبر مغتابا، وإنما يسلم من ذلك بالقيام بما يجب عليه من الإنكار على المغتاب حسب الاستطاعة وعدم الرضى بفعله وعدم مواصلة المجالسة له، كما قال النووي في رياض الصالحين مبوبا على ذلك: باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها والإنكار على قائلها، فإن عجز أو لم يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه. انتهى.
ثم ذكر رحمه الله عدة أدلة في الموضوع منها حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة. رواه الترمذي. وقال: حديث حسن... وقد بسطنا في الفتوى رقم: 75535، القول في عدم إثم من يسمع الغيبة إذا لم يكن راضيا بالاغتياب ومنكرا له حسب الاستطاعة فنرجو مراجعتها.
والله أعلم.