لا ينفذ تصرف المحجور عليه في ماله إلا بإذن وليِّه

0 423

السؤال

امرأة بلغت السبعين من عمرها، ومنذ فترة طويلة مرضت بمرض نفسي شديد أدى بها لفقدان القدرة على إصدار أحكام صائبة على كل الأمور، فطلبت المحكمة تعيين وصي على أموالها فاختار أهلها تعيين ابنة أختها وصية على أموالها، وبالفعل تسلمت ابنة أختها مسؤوليتها من إرث و معاش ولكن تحت وصاية المجلس الحزبي، منذ فترة قصيرة طلبت هذه السيدة من ابنة أختها أن تأخذ كل أموالها من البنك وتبني بها مسجدا صدقة على روح أخيها، وبالفعل فعلت ابنة أختها ما طلبته بحجة أن هذه رغبتها رغم أن الأطباء حكموا بأنها ليست أهلا لإصدار الأحكام، والآن مرضت هذه السيدة المسنة مرضا شديدا يحتاج لأموال كثيرة في حين أنه لم يبق لها إلا معاشها الذي يكفيها للمعيشة فقط و الإرث كله ذهب لبناء المسجد، فأتت ابنة أختها تشكو وتقول ماذا أفعل لقد سمعت كلامها و الآن ليست هناك أموال لعلاجها. فهل ابنة أختها ضيعت الأمانة بطاعتها ببناء المسجد بكل أموالها؟ وهل هي آثمة في ذلك ؟ وما المطلوب من بقية العائلة حيال هذه السيدة المسكينة؟ أرجو الإفادة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذه المرأة إنما شرع الحجر عليها ونصب من يتولى أمرها؛ حفاظا على مالها من سوء تصرفها أو تصرف غيرها.

 جاء في  الموسوعة الفقهية: قرر الشارع الحجر على من يصاب بخلل في عقله كجنون وعته حتى تكون الأموال مصونة من الأيدي التي تسلب أموال الناس بالباطل والغش والتدليس. وتكون مصونة أيضا من سوء تصرف المالك. اهـ.

ولذلك لا ينفذ تصرف المحجور عليه في ماله إلا بإذن وليه.

 جاء في (الموسوعة): الولي هو من له ولاية التصرف على غيره، في النفس أو في المال؛ لصغر أو سفه أو رق أو غير ذلك، ويظل الحجر قائما إلى أن يزول سببه. ولما كان المحجور عليهم قد يعود تصرفهم بالضرر عليهم، كان لا بد من نظر الولي وإذنه منعا للضرر. وفي الجملة فإن تصرفات السفيه والمميز والعبد في المال والنكاح لا بد فيها من إذن الولي عند جمهور الفقهاء. اهـ.

ولذلك أيضا لا يشرع للولي على هذه المرأة أن يتصرف في مالها إلا بما يصلحه، فلا يجوز له التصدق ولا الهبة منه.

 جاء في الموسوعة: لا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يجوز للولي أن يتصرف في مال المحجور إلا على النظر والاحتياط، وبما فيه حظ له واغتباط لحديث: لا ضرر ولا ضرار. وقد فرعوا على ذلك أن ما لا حظ للمحجور فيه كالهبة بغير العوض والوصية والصدقة والعتق والمحاباة في المعاوضة لا يملكه الولي، ويلزمه ضمان ما تبرع به من هبة أو صدقة أو عتق، أو حابى به، أو ما زاد في النفقة على المعروف أو دفعه لغير أمين، لأنه إزالة ملكه من غير عوض فكان ضررا محضا. اهـ.

وإذا تقرر ذلك، فلا أثر لطلب المحجور عليه أن يتصدق وليه بماله، فالفعل منوط بتصرف الولي لا المحجور عليه، فهذا التبرع إنما ينسب للولي لا له، وإلا لما كان للحجر عليه فائدة، والأصل أن يضمن الولي ما تبرع به من هبة وصدقة ونحو ذلك. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 105185.

والظن بهذه المرأة الوصية أنها لا تعلم هذا الحكم، وأنها إنما فعلت ذلك وهي تظنه طاعة لله وقربة، وبرا بخالتها ونفعا لها في آخرتها، وهذا وإن كان يرفع عنها الإثم إلا إنه لا يرفع عنها الضمان، فيلزمها في مالها مثل ما تبرعت به إن كان لها مال، وإن لم يكن لها مال فحكمها حكم المعسر، ويثبت المال في ذمتها، فإذا ماتت المحجور عليها ولم يزل في ذمتها منه شيء انتقل ملكه للورثة، ويكون ثواب بناء المسجد لها.

وأما نفقة علاج هذه المرأة فعلى وصيتها من مالها، وتحسب قدر ما تنفقه من جملة المال الذي تبرعت به، وإن كانت معسرة وجبت هذه النفقة على من تجب عليه نفقة هذه المرأة من أقاربها، ثم يرجع المنفق بقدر نفقته على الوصية حين ميسرتها ليحسب ذلك من الدين الذي عليها. ولمعرفة مذاهب الفقهاء في أحكام نفقة الأصول والفروع والأقارب، يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 44020.

ثم نذكر عائلة المرأة أن هذه الوصية وإن كانت قد أخطأت بالفعل، إلا إنها غالبا لم تتعمد ذلك، فينبغي أن تعان على ما وجب عليها من نفقة العلاج، وأن تسامح في ما وجب عليها من حقوق للورثة بعد ذلك.

والله أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة