السؤال
أريد أن أستفسر عن شىء جزاكم الله خيرا .
توجد أخت مطلقة (أو في حكم المطلقة لأن بينها وبين زوجها قضية للطلاق)، ويتيمة الأبوين، ولديها إخوة ذكور يكبرونها سنا، وهى عندها أطفال، منهم من في سن المراهقة، وتعيش مع أولادها في شقة والدها المتوفى، وتعمل وهي المنفقة على بيتها، وللأسف معروف عنها سوء السلوك، وتكلم معها إخوتها مرات عديدة لتعديل سلوكها، ولكن بلا فائدة، وتتمادى في سوء السلوك حتى أصبحت مثارا لحديث كل من حولها، فتخلى إخوتها عنها وتركوها تماما بحجة أنها لا تسمع لهم وأنهم لا يوجد في أيديهم ما يفعلونه.
وإذا حاول أحد نصحهم بألا يتركوها يثورون ويقولون الحل هو قتلها، ولانملك غير هذا، (وطبعا هم لن يفعلوا ذلك )هذا الكلام فقط نوع من رد الفعل. فهل فعلا هم لا يملكون لها سوى النصح فقط؟ وإذا كان عليهم أكثر من ذلك فما هو ؟ وما السبيل لتنفيذه ؟ مع العلم أنها تعمل وعملها يستدعي سفرها يوميا على الأقل لثلاثة شهور باقية. وهل أخواتها بذلك آثمون؟ وإذا كانوا آثمين هل هذا الإثم يضار به أولادهم أو زوجاتهم؟ آسفة على الإطالة. وأرجو الجواب.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقبل الإجابة على السؤال نريد التنبيه إلى أمرين:
الأول: أن المرأة يبقى عليها سلطان الزوج ما لم تحصل بالفعل على الطلاق فلا معنى للقول أن هذه في حكم المطلقة.
الثاني: أن اليتيم إنما يوصف به المرء قبل البلوغ، فإذا بلغ لم يعد موصوفا باليتم ولو كان فاقدا لأبويه واليتم إنما هو من جهة الأب فقط.
فإذا كانت هذه المرأة ذات زوج فهو مسئول عنها وله القوامة عليها، والواجب عليه أن يمنعها من المنكرات، فعن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ........ والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم... متفق عليه.
وحتى لو طلقت من زوجها طلقة رجعية فإن عليها لزوم بيته حتى تنقضي عدتها ، قال البهوتي: وحكم الرجعية في العدة حكم المتوفى عنها في لزوم المنزل لقوله تعالى: { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } وسواء أذن لها الزوج في منزله أو غيره مما يصلح لها تحصينا لفراشه. كشاف القناع.
ولا يعني ذلك إعفاء الإخوة من مسئوليتهم تجاه أختهم إذا علموا وقوعها في المنكرات ولم يقم الزوج بمنعها، فإن تغيير المنكر مسؤولية كل من يراه ويقدر على تغييره، فعن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
وإذا لم تكن هذه المرأة تحت سلطان زوجها فالواجب على إخوتها أن ينصحوها ويمنعوها من المنكر، ويحولوا بينها وبين أسباب الفساد على حسب استطاعتهم، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الإخوة إذا لم يأمنوا على أختهم الثيب فلهم ضمها إليهم ليحفظوها من الفساد، قال ابن عابدين -معلقا على القول بحق الأب في ضم بنته الثيب غير المأمونة: .. والظاهر أن الجد كذلك بل غيره من العصبات كالأخ والعم ولم أر من صرح بذلك ولعلهم اعتمدوا على أن الحاكم لا يمكنه من المعاصي وهذا في زماننا غير واقع فيتعين الإفتاء بولاية ضمه لكل من يؤتمن عليه من أقاربه ويقدر على حفظه فإن دفع المنكر واجب على كل من قدر عليه لا سيما من يلحقه عاره وذلك أيضا من أعظم صلة الرحم والشرع أمر بصلتها وبدفع المنكر ما أمكن. حاشية ابن عابدين
و لا شك أنه ليس للإخوة قتل أختهم مهما فعلت من منكرات، فإن إقامة الحدود والتعزير للحاكم وليست للأفراد، وانظري الفتوى رقم :
29819.
وإذا قام الإخوة بما عليهم من واجب النصيحة وتغيير المنكر على حسب استطاعتهم، فلا إثم عليهم –إن شاء الله- فيما يقع من أختهم.
وننبه إلى أنه في حال وقوع الإخوة في الإثم فإن أولادهم و زوجاتهم لا يضارون بذلك، فالقاعدة في الشرع أن أحدا لا يؤاخذ بجريرة غيره، قال تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى.. {الانعام: 164}
والله أعلم.