السؤال
هل كل عاص مشرك شركا أصغر ؟ إذا ارتكبت معصية حتى ولو كانت من الصغائر فهل أعتبر مشركة شركا أصغر لأنني أطعت الهوى والنفس والشيطان ؟ وكيف يكون ذلك وكل ابن آدم خطاء وكلنا نذنب كثيرا. فهل في كل مرة نذنب نكون أشركنا شركا أصغر إذن أغلب الناس مشركون ؟ هل هذا صحيح يا شيخ ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس كل عاص مشركا شركا أصغر، بل أنواع الشرك الأصغر على الراجح محصورة في الذنوب التي سماها الشرع شركا، كالحلف بغير الله مثلا، وإذا أطلق الشرك الأصغر فيراد به الرياء، فعن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء، يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء. رواه أحمد، قال المنذري: بإسناد جيد. وصححه الألباني. وراجع الفتوى رقم: 112125.
وقال الشيخ صالح آل الشيخ في (شرح الطحاوية): اختلف أهل العلم في تعريف الشرك الأصغر وفي ضبطه على قولين:
القول الأول: أن الشرك الأصغر هو كل شرك أو عمل يكون وسيلة للشرك الأكبر، فما كان وسيلة وطريقا إلى الشرك الأكبر فيكون شركا أصغر، وقد نحا إلى ذلك عدد من أهل العلم منهم الشيخ عبد الرحمن السعدي في حاشيته على كتاب التوحيد.
والقول الثاني: وهو قول عامة أئمة الدعوة، وكذلك يفهم من صنيع ابن القيم وابن تيمية رحمهم الله أنهم يذهبون إليه، هو أن الشرك الأصغر: كل ذنب سماه الشارع شركا ولم يبلغ درجة عبادة غير الله، يعني لم يبلغ درجة الشرك الأكبر.
والفرق بين التعريف الأول والثاني، أن هناك أعمال تكون وسيلة للشرك الأكبر ولم يطلق عليها الشارع أنها شرك، ولم يتفق العلماء على أنها شرك، فوسائل الشرك الأكبر كثيرة. مثلا بناء القباب على القبور هذا وسيلة إلى الشرك ووسيلة إلى تعظيم الأموات وإلى أن يعتقد فيهم وأن يتقرب إليهم أو أن يتعبد عند قبورهم ونحو ذلك، فبناء القباب على القبور من هذه الجهة وسيلة إلى الشرك الأكبر، لكن لم يعده أحد من أهل العلم المتقدمين شركا أصغر مع كونه وسيلة .. مثال آخر الذنوب: الذنب يطلق عليه بعض العلماء أنه لا يصدر ذنب إلا وثم نوع تشريك؛ لأنه جعل طاعة الهوى مع طاعة الله، فحصلت المعصية، وطاعة الهوى وسيلة للشرك الأكبر، والذنوب عدد كبير منها وسيلة إلى الشرك الأكبر، ومع ذلك لم تسم شركا أصغر وإن دخلت في مطلق التشريك لا الشرك، فلهذا لا يصدق عليها أنها شرك أصغر مع كونها وسيلة في عدد من الذنوب والآثام إلى الشرك الأكبر.
إذن لا يستقيم التعريف الأول في عدد من الصور، والأقرب والأولى هو الثاني، وهو أن يقال: الشرك الأصغر هو كل ذنب أو معصية سماها الشارع شركا ولم تبلغ درجة عبادة غير الله معه. اهـ. بتصرف يسير.
وقد سبق لنا بيان أنواع الشرك الأصغر ووسائل النجاة منه، في الفتوى رقم: 16150.
ثم ننبه السائلة على أن قولها: (إذن أغلب الناس مشركون) لا يصح بإطلاق، حتى على قول من يجعل كافة أنواع الذنوب داخلة في الشرك الأصغر، فلابد من التقييد فنقول: (إذن أغلب الناس مشركون شركا أصغر) وهذا لا إشكال فيه، لأن الشرك الأصغر لا يخرج صاحبه من الملة، بل هو في مشيئة الله، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، ومآله إلى الجنة على أية حال، كسائر المذنبين.
وننصح الأخت السائلة بمراجعة كلام نفيس لشيخ الإسلام في (كتاب الإيمان) عن تقسيم الظلم لثلاثة أنواع .وهو في (مجموع الفتاوى).
والله أعلم.