السؤال
هل يعتبر يأسا من رحمة الله إذا توقعت أنني في هذا اليوم لن أقدر على النهي عن المنكر ؟ هل أعتبر يائسة من رحمة الله إذا توقعت ذلك ؟ أم أعتبر قد أسأت الظن بنفسي ولا يدخل هذا في اليأس من رحمة الله؟
هل يعتبر يأسا من رحمة الله إذا توقعت أنني في هذا اليوم لن أقدر على النهي عن المنكر ؟ هل أعتبر يائسة من رحمة الله إذا توقعت ذلك ؟ أم أعتبر قد أسأت الظن بنفسي ولا يدخل هذا في اليأس من رحمة الله؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فرفقا بنفسك أيتها الأخت الكريمة، فأكثر ما يردنا من أسئلتك يدور في فلك واحد، لمسنا فيها خوفك من أن تكوني قد وقعت في الكفر أو اتصفت بما يقتضيه ويستلزمه، وليس الأمر كذلك، فأنت بحمد الله مسلمة، وما يعتريك إنما هو وسوسة من الشيطان ليحزنك ويفسد عليك دينك ودنياك، والوساوس بصفة عامة إذا كرهها العبد وخافها ونفر منها، كانت علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم. قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ. وراجعي في ذلك الفتويين: 7950، 12300.
وأما بخصوص ما ذكرت هنا، فاعلمي أن هناك من الأحوال ما إذا وقع، حصل اليأس من تأثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا إذا بقي المرء في حثالة من الناس، وذلك قرب قيام الساعة، فعن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنت إذا بقيت في حثالة من الناس؟ قال: قلت: يا رسول الله كيف ذلك؟ قال: إذا مرجت عهودهم وأماناتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه قلت: ما أصنع عند ذاك يا رسول الله؟ قال: اتق الله عز وجل، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بخاصتك، وإياك وعوامهم. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني. وفي ذلك رخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كثر الأشرار وضعف الأخيار، كما نبه عليه ملا علي القاري في مرقاة المفاتيح، والعظيم آبادي في عون المعبود، والمناوي في فيض القدير.
وليس المراد هنا أن نقعد عن الأمر والنهي، فلا يزال في المسلمين بقية فيها خير عظيم، بحمد الله تعالى. ولكن المراد أن نبين للسائلة أن تغير الأحوال إلى الأسوء يحمل المرء على التقاعس في أداء شعيرة الأمر والنهي، ليس يأسا من رحمة الله ولا تشاؤما، ولا إساءة للظن في النفس، وإنما هو من تأثير الواقع.
وعلى أية حال فلا بد لنا من تكرار النصيحة بأن تطرحي عن نفسك هذه الوساوس ولا يستجرينك الشيطان. وقد سبق أن ذكرنا معنى اليأس من رحمة الله وصوره، في الفتوى رقم: 134641. والله أعلم.