السؤال
قال لي رجل ملحد إن الله يقول: إنه واحد بالنسبة لنا وهو خالق السموات والأرض فلماذا لا توجد آلهة أخرى خارج السموات والأرض ولهم خلقهم مثل ربنا، فرددت عليه بالآية من سورة إبراهيم: (وجعلوا لله اندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار) إلا أنه قال: إن الند هو المنافس المكافئ في القوة، وإن الله يقصد أن المنافس داخل السموات والأرض وهو مثل الأصنام التي عبدها الناس قديما، لأنها تنافس الله في العبادة، إلا أنني قلت له: إن الند هو المكافئ ولا يشترط التنافس في معنى كلمة ند، وإن كلمة أندادا في الآية تنطبق على ما خارج السماوات والأرض إن وجد أصلا، وإن الله يقصد من يكافؤه في القوة عموما لأن تلك الآلهة المزعومة إن وجدت خارج السموات والأرض فهي تكافئ الله في القوة، واحتدم النقاش حول معنى كلمة ند.وهل لكي يكون هناك ندية يجب أن يكون هناك تنافس أم يكفي التكافؤ لكي يكون هناك ندية، ولا يشترط التنافس؟لكني أريد إجابة فضيلتكم عن معنى كلمة: ند، وما هو تفسيركم لتلك الآية؟ ورأيكم في تلك القضية؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالند له معنيان في اللغة أحدهما: - وعليه الأكثر - أنه الذي يناد في الأمر. أي: يأتي برأي غير رأي صاحبه.
قال في لسان العرب: الأنداد جمع ند، وهو مثل الشيء الذي يضاده في أموره، ويناده أي: يخالفه. ا.هـ.
فهو بمعنى الضد كما فسره به أبو عبيدة والبخاري وغيرهما.
والثاني: يراد به المثل والنظير دون مضادة ولا مناوأة.
قال في معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة: الند المثل والنظير، ويرى جل أعلام اللغة تخصيصه بالمثل الذي يناوئ نظيره، وينازعه فلا تقول لصديقك ومن هو على رأيك هذا ندي، ولهذا فسره بعضهم بالضد، ويرى آخرون تخصيص الند بالمثل دون تقييد بالمناوأة والشجاعة. ا.هـ.
والآية الكريمة وهي قوله تعالى: (وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله) [إبراهيم:30].
تشمل المعنيين، ويؤيد هذا قاعدة: اللفظ يحمل على معنييه إذا أمكن.
وهو ممكن هنا، ولهذا فسر ابن جرير وابن كثير وغيرهما الند بأنه هو: المثل، والعدل والشريك بدون تقييد بالمناوأة والمضادة، لأن المشركين لم يعتقدوا أن آلهتهم تضاد الله عز وجل وتناوئه، بل كانوا يعتقدون أنها تشفع لهم عند الله لمكانتها عنده، وأنها ملكه كما ثبت في الصحيحين: "أنهم كانوا يطوفون بالبيت ويلبون قائلين: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك".
ومع هذا قال الله عنهم: (وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله...) [إبراهيم:30].
وفي سنن ابن ماجه والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما شاء الله وشئت. قال: "أجعلتني لله ندا. قل: ما شاء الله وحده".
فهذا الرجل سوى بين مشيئة الله، ومشيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمى النبي صلى الله عليه وسلم مجرد قوله ذلك ندية، وهنالك أدلة أخرى كثيرة تبين هذا المعنى.
كما أن هنالك أدلة أوضح وأصرح تثبت أنه لا إله إلا الله، كما قال تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) [محمد:19].
وهذه الآية فيها نفي: وهو لا إله، وإثبات: وهو إلا الله، وهذا من صيغ الحصر، وقال تعالى: (إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم) [آل عمران:62].
والنكرة في سياق النفي تعم، فلا يوجد إله غير الله لا في السموات ولا في الأرض ولا في غيرهما، فالله تعالى رب العالمين، وكل ما سوى الله عالم مخلوق، وعلى هذا اتفقت الملل السماوية، ومن ينكر هذا فهو مكابر معاند، والغالب فيه أن يكون موقنا بوجود الله في داخله، فهذا فرعون كان يدعي الربوبية لنفسه وينفيها عن غيره، فقد قال صراحة: يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري، ومع ذلك قال الله عنه على لسان موسى: (قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا) [الاسراء:102].
وقال الله عنه هو وقومه: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) [النمل:14].
ولذا لما أغرقه الله صرح بما في نفسه قائلا: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) [يونس:90].
والقائل: إن هنالك آلهة أخرى خارج السموات والأرض لهما ملكها وسلطانها وخلقها يرجم بالغيب، فنقول له: كيف عرفت ذلك؟ والله تعالى يقول: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين) [لقمان:11].
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهديه للحق والإيمان، وأن يحفظنا من الزلل.
والله أعلم.