السؤال
أمي مصابة بقصور الكلى وهي بذلك مجبرة على التصفية الاصطناعية. هذه العملية تعوض الكلى لكنها قد تحمل مفاجآت، قد تؤدي بصاحبها إلى الموت. عرضت على أمي مرارا أن أتبرع لها بكلية ولكنها رفضت، قالت إنها لا تستطيع أن تقبل كلية من أحد أبنائها.
و لما رأى الطبيب رفضها قال بأنها لن تستطيع قبول كلية أحد أبنائها بعد ما رآه من رفضها لهذه الفكرة، و العامل النفسي مهم جدا ليقبل الجسم الكلية.أريد أن أسأل: هل يعتبر رفضها هذا قتلا للنفس باعتبار أنها تعرض نفسها لخطر أكبر بعدم قبول كلية متوفرة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فرفض هذه الوالدة قبول تبرع أحد أبنائها بإحدى كليتيه لها لا يعد قتلا للنفس، لا من قريب ولا من بعيد. وكذلك لا يحكم حتى بالإثم في مثل هذه الحال؛ فإنا لم نجد من أهل العلم من أوجب التبرع بالأعضاء أو قبوله، وإنما يبحثون في مشروعيته فحسب. فغاية ما يمكن بحثه في حال هذه الوالدة هو جواز ذلك أو كراهته أو استحبابه.
جاء في (الفتاوى الهندية): لو أن رجلا ظهر به داء فقال له الطبيب: قد غلب عليك الدم فأخرجه، فلم يفعل حتى مات لا يكون آثما؛ لأنه لم يتيقن أن شفاءه فيه. كذا في فتاوى قاضي خان ... مرض أو رمد فلم يعالج حتى مات لا يأثم. كذا في الملتقط. والرجل إذا استطلق بطنه أو رمدت عيناه فلم يعالج حتى أضعفه ذلك وأضناه ومات منه لا إثم عليه. فرق بين هذا وبين ما إذا جاع ولم يأكل مع القدرة حتى مات، حيث يأثم، والفرق أن الأكل مقدار قوته مشبع بيقين فكان تركه إهلاكا، ولا كذلك المعالجة والتداوي، كذا في الظهيرية. اهـ.
وجاء نحو ذلك في (رد المحتار) ولفظه: بخلاف من امتنع عن التداوي حتى مات؛ إذ لا يتيقن بأنه يشفيه، كما في الملتقى وشرحه. اهـ.
وقال الدكتور أبو الوفا محمد في (العمليات الجراحية المستعجلة بين إذن المريض وضرورة العلاج الطبي): إذا امتنع المريض من الإذن بالعلاج من هذا المرض ومات بسببه، فإنه لا يعد قاتلا لنفسه، لأن الشفاء غير مقطوع به من هذا المرض، وهذا بخلاف من ترك الطعام والشراب حتى هلك، فإنه يكون آثما. اهـ.
وكذا قال الشيخ الدكتور محمد المختار الشنقيطي في رسالته للدكتوراة (أحكام الجراحة الطبية) وفهد بن عبد الله الحزمي في (الوجيز في أحكام الجراحة الطبية).
وللفائدة ننبه السائل الكريم على أن التداوي في الأصل قد اختلف أهل العلم في حكمه: هل هو خلاف الأولى، أم جائز، أم مستحب، أم واجب، وراجع في تفصيل ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 27266 ، 9729، 31887، 30645، 27266.
ولا يخفى أن التداوي بنقل الأعضاء لا يشبه بقية أنواع التداوي من كل وجه، لأن فيه نوع ضرر للمتبرع ولابد، وفيه أيضا منة عظيمة تسوغ الرفض.
جاء في (الموسوعة الفقهية): ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجوز للمكلف عدم قبول التبرع وإن تعين لأداء فرض. اهـ.
والله أعلم.