الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان السائل الكريم يعني بحفظ السلف بالتلقي أنهم كانوا يأخذون العلم على أيدي أهله ولا يكتفون بقراءة الكتب فهذا صحيح.
وأما إن كان يعني أنهم كانوا يحفظون العلم بمجرد سماعه دون الحاجة إلى كتابته، فليس هذا على إطلاقه، فمنهم من أعطي موهبة الحفظ التام فما كان يحتاج إلى الكتابة. وهؤلاء قلة معدودة، والأكثر كانوا يستعينون بالكتابة على حفظ العلم. كما كان حال عبد الله بن عمرو حيث قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا؟! فأمسكت عن الكتاب فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بأصبعه إلى فيه فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق. رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
وفي سنن الدارمي عن معاوية بن قرة أبي إياس قال: كان يقال: من لم يكتب علمه لم يعد علمه علما.
وعن سعيد بن جبير قال: كنت أسمع من ابن عمر وابن عباس الحديث بالليل فأكتبه في واسطة الرحل. وعنه أيضا قال: كنت أسير مع ابن عباس في طريق مكة ليلا وكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه.
وعن رجاء بن حيوة قال: كتب هشام بن عبد الملك إلى عامله أن يسألوني عن حديث، قال رجاء: فكنت قد نسيته لولا أنه كان عندي مكتوبا.
وبهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: قيدوا العلم بالكتاب. رواه الطبراني والحاكم، وصححه الألباني.
وراجع الفتوى رقم: 119595.
وقال الماوردي في (أدب الدنيا والدين): ربما اعتمد على حفظه وتصوره وأغفل تقييد العلم في كتبه ثقة بما استقر في ذهنه، وهذا خطأ منه؛ لأن الشكل معترض والنسيان طارق ..
وقال الخليل بن أحمد: اجعل ما في الكتب رأس المال وما في القلب النفقة.
وقال مهبود: لولا ما عقدته الكتب من تجارب الأولين لانحل مع النسيان عقود الآخرين. وقال بعض البلغاء: إن هذه الآداب نوافر تند عن عقل الأذهان فاجعلوا الكتب عنها حماة والأقلام لها رعاة. اهـ.
والمقصود أن نبين للسائل أن طريقة السلف هي كتابة العلم وتقييده، وأن هذا من أقرب الوسائل لحفظه ووعيه، وقد سبق لنا بيان الوسائل المساعدة على الحفظ، في الفتويين: 8563 ،