السؤال
لقد نظرت إلى إحدى فتاواكم المتعلقة بقيام الليل الجماعي وقلتم إنه يجوز القيام الجماعي لكن بشرط عدم المداومة على ذلك، واستشهدتم لذلك بآثار عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، لكن أليست هذه الأدلة تدل أن ذلك القيام كان يقام بدون ترتيب مسبق، أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يرتب مع الصحابة أن القيام سيكون مثلا غدا بل كانت من غير ترتيب، فهل ما أقوله صحيح، وأن التريب للقيام في يوم ما خلاف السنة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحاصل ما أوردته أن القيام في جماعة لا يشرع إلا إذا حصل اتفاقا أي مصادفة، وأن التواعد لقيام ليلة معينة ليس مشروعا، وما ذكرته له وجه، غير أن الذي نراه أن التواعد لقيام ليلة معينة لا يمنع ما لم يتخذ ذلك عادة راتبة، فإن المحظور إنما هو في تشبيه غير المسنون بالمسنون، وذلك يحصل بالمداومة على القيام في وقت يدور بدوران الأيام أو الأسابيع أو الشهور، وأما الترتيب المسبق للقيام في ليلة معينة بقصد التحفيز وتنشيط الناس وتذكيرهم بسنة القيام فلا نرى فيه محظورا ما لم يداوم عليه فيصير كهيئة السنن الراتبة.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله في حكم القيام في جماعة: فلو أن قوما اجتمعوا بعض الليالي على صلاة تطوع من غير أن يتخذوا ذلك عادة راتبة تشبه السنة الراتبة لم يكره. لكن اتخاذه عادة دائرة بدوران الأوقات مكروه لما فيه من تغيير الشريعة وتشبيه غير المشروع بالمشروع. انتهى.
وقد تواعد الأنصار يوما يذكرون فيه الله تعالى وما أنعم عليهم به، وبهذا استدل الإمام أحمد رحمه الله على جواز مثل هذا الاجتماع على الطاعة من دعاء أو قراءة أو قيام ما لم يداوم على ذلك فيشبه بالمسنون، قال شيخ الإسلام رحمه الله: فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع والشهور والأعوام غير الاجتماعات المشروعة فإن ذلك يضاهي الاجتماعات للصلوات الخمس وللجمعة والعيدين والحج وذلك هو المبتدع المحدث، ففرق بين ما يتخذ سنة وعادة فإن ذلك يضاهي المشروع، وهذا الفرق هو المنصوص عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة،... قال المروزي: سألت أبا عبد الله عن القوم يبيتون فيقرأ قارئ ويدعون حتى يصبحوا؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس.
وقال أبو السري الحربي: قال أبو عبد الله: وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس يصلون ويذكرون ما أنعم الله به عليهم كما قالت الأنصار
وهذه إشارة إلى ما رواه أحمد حدثنا إسماعيل أنبأنا أيوب عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة قالوا: لو نظرنا يوما فاجتمعنا فيه فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا فقالوا يوم السبت ثم قالوا لا نجامع اليهود في يومهم، قالوا فيوم الأحد قالوا لا نجامع النصارى في يومهم، قالوا فيوم العروبة وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة فاجتمعوا في بيت أبي أمامة أسعد بن زرارة فذبحت لهم شاة فكفتهم. انتهى.
وهو ظاهر كل الظهور فيما قررناه وأن نفس التواعد للقيام لا يشبهه بالمشروع وأنه لا محظور فيه.
والله أعلم.