الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني من علماء السنة المعروفين، وبذله لنشرها وخدمتها لا يخفى على أحد، واهتمامه وعنايته بكتب أئمتها في العقيدة أمر مشهور معروف، ومن ذلك كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي حققه الشيخ، وقال عنه في تعليقه على شرح الطحاوية عند الكلام على تعريف الإيمان، قال: ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: الإيمان فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع. اهـ.
وصدق -رحمه الله- فهذا الكتاب أفضل ما يعتمد عليه طالب العلم في هذه المسألة الخطيرة، ومما جاء في هذا الكتاب المبارك، قول شيخ الإسلام رحمه الله: هؤلاء القائلون بقول جهم والصالحي قد صرحوا بأن سب الله ورسوله والتكلم بالتثليث وكل كلمة من كلام الكفر ليس هو كفرا في الباطن ولكنه دليل في الظاهر على الكفر، ويجوز مع هذا أن يكون هذا الساب الشاتم في الباطن عارفا بالله موحدا له مؤمنا به، فإذا أقيمت عليهم حجة بنص أو إجماع أن هذا كافر باطنا وظاهرا. قالوا: هذا يقتضي أن ذلك مستلزم للتكذيب الباطن وأن الإيمان يستلزم عدم ذلك، فيقال لهم: معنا أمران معلومان، أحدهما: معلوم بالاضطرار من الدين. والثاني: معلوم بالاضطرار من أنفسنا عند التأمل. أما الأول: فإنا نعلم أن من سب الله ورسوله طوعا بغير كره، بل من تكلم بكلمات الكفر طائعا غير مكره، ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافر باطنا وظاهرا، وأن من قال: إن مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمنا بالله وإنما هو كافر في الظاهر، فإنه قال قولا معلوم الفساد بالضرورة من الدين. اهـ.
وقال فيه أيضا: من رحمة الله بعباده المسلمين أن الأئمة الذين لهم في الأمة لسان صدق، مثل الأئمة الأربعة وغيرهم، كمالك، والثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وكالشافعي وأحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، كانوا ينكرون على أهل الكلام من الجهمية قولهم في القرآن والإيمان وصفات الرب، وكانوا متفقين على ما كان عليه السلف من أن الله يرى في الآخرة، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الإيمان لابد فيه من تصديق القلب واللسان، فلو شتم الله ورسوله كان كافرا باطنا وظاهرا عندهم كلهم. اهـ.
فهذا هو الحق الذي لا مرية فيه ولا إشكال في حكم الساب، أنه كافر ظاهرا وباطنا، سواء علم أن السب كفر أو جهل ذلك، وسواء استحل ذلك أو لم يستحل، وسواء قصد الكفر بذلك أو لم يقصده.
وقد تناول شيخ الإسلام هذه المسألة بتفصيل وتأصيل في كتابه السابق، وكذلك في كتابه الفذ الصارم المسلول ومما قال فيه: إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا وباطنا، وسواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلا له، أو كان ذاهلا عن اعتقاده. هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل. وقد قال الإمام أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه وهو أحد الأئمة يعدل بالشافعي وأحمد: قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام أو دفع شيئا مما أنزل الله أو قتل نبيا من أنبياء الله أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بما أنزل الله. اهـ. ثم ذكر بعض كلام أهل العلم في ذلك.
وبين رحمه الله مأخذ شبهة المخالفين الذين يتصورن وجود الإيمان الشرعي مع حصول السب قصدا وعمدا. فقال رحمه الله: منشأ هذه الشبهة التي أوجبت هذا الوهم من المتكلمين ومن حذا حذوهم من الفقهاء أنهم رأوا أن الإيمان هو تصديق الرسول فيما أخبر به، ورأوا أن اعتقاد صدقه لا ينافي السب والشتم بالذات، كما أن اعتقاد إيجاب طاعته لا ينافي معصيته، فإن الإنسان قد يهين من يعتقد وجوب إكرامه كما يترك ما يعتقد وجوب فعله ويفعل ما يعتقد وجوب تركه، ثم رأوا أن الأمة قد كفرت الساب فقالوا: إنما كفر لأن سبه دليل على أنه لم يعتقد أنه حرام، واعتقاد حله تكذيب للرسول فكفر بهذا التكذيب لا بتلك الإهانة، وإنما الإهانة دليل على التكذيب، فإذا فرض أنه في نفس الأمر ليس بمكذب كان في نفس الأمر مؤمنا، وإن كان حكم الظاهر إنما يجري عليه بما أظهره. فهذا مأخذ المرجئة ومعتضديهم وهم الذين يقولون: الإيمان هو الاعتقاد والقول وغلاتهم وهم الكرامية الذين يقولون: مجرد القول وإن عري عن الاعتقاد. وأما الجهمية الذين يقولون: هو مجرد المعرفة والتصديق بالقلب فقط وإن لم يتكلم بلسانه فلهم مأخذ آخر، وهو أنه قد يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فإذا كان في قلبه التعظيم والتوقير للرسول لم يقدح إظهار خلاف ذلك بلسانه في الباطن كما لا ينفع المنافق إظهار خلاف ما في قلبه في الباطن. اهـ.
ثم رد هاتين الشبهتين من ثلاثة أوجه، فلابد للرجوع في هذا الموضع من الكتاب للوقف على تفصيل الكلام لأهميته وطوله. وإنما أردنا من هذا النقل التنبيه على أن كفر الساب لله تعالى قصره الجهمية والمرجئة على من استحل ذلك أو قصد الإهانة بقلبه حال السب، وأما أهل السنة فعندهم أن السب كفر في نفسه، ما دام فاعله مختارا عامدا وإن لم يستحل أو يقصد الإهانة.
وقد وقع في هذا المزلق الخطر من تأثر بمتكلمي الجهمية والمرجئة من فقهاء أهل السنة قديما وحديثا، وقد نبه شيخ الإسلام على ذلك في مواضع من كتبه، ومن ذلك ما نقله في الصارم المسلول عن كتاب المعتمد للقاضي أبي يعلى حيث قال: من سب الله أو سب رسوله فإنه يكفر سواء استحل سبه أو لم يستحله. فإن قال: لم أستحل ذلك. لم يقبل منه في ظاهر الحكم رواية واحدة وكان مرتدا، لأن الظاهر خلاف ما أخبر، لأنه لا غرض له في سب الله وسب رسوله إلا لأنه غير معتقد لعبادته غير مصدق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ويفارق الشارب والقاتل والسارق إذا قال: أنا غير مستحل لذلك. أنه يصدق في الحكم، لأن له غرضا في فعل هذه الأشياء مع اعتقاد تحريمها وهو ما يتعجل من اللذة. قال: وإذا حكمنا بكفره فإنما نحكم به في ظاهر الحكم، فأما في الباطن فإن كان صادقا فيما قال فهو مسلم.. وذكر القاضي عن الفقهاء أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم إن كان مستحلا كفر وإن لم يكن مستحلا فسق ولم يكفر كساب الصحابة.. اهـ.
ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية تعقيبا على ذلك: وهذا موضع لا بد من تحريره ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة، ويرحم الله القاضي أبا يعلي قد ذكر في غير موضع ما يناقض ما قاله هنا، وإنما وقع من وقع في هذه المهواة ما تلقوه من كلام طائفة من متأخري المتكلمين وهم الجهمية الإناث الذين ذهبوا مذهب الجهمية الأولى في أن الإيمان هو مجرد التصديق الذي في القلب وإن لم يقترن به قول اللسان ولم يقتض عملا في القلب ولا في الجوارح. اهـ.
وممن بين أن هذا هو مذهب الجهمية والأشعرية ابن حزم فقال في المحلى عن ساب النبي صلى الله عليه وسلم: ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وسائر أصحاب الحديث وأصحابهم إلى أنه بذلك كافر مرتد.. وأما سب الله تعالى فما على ظهر الأرض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد، إلا أن الجهمية والأشعرية وهما طائفتان لا يعتد بهما يصرحون بأن سب الله تعالى وإعلان الكفر ليس كفرا، قال بعضهم: ولكنه دليل على أنه يعتقد الكفر لا أنه كافر بيقين بسبه الله تعالى. وأصلهم في هذا أصل سوء خارج عن إجماع أهل الإسلام وهو أنهم يقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب فقط وان أعلن بالكفر.اهـ.
ونقل في الفصل قولهم هذا ثم قال: هذه منهم دعاوى كاذبة مفتراة لا دليل لهم عليها ولا برهان، لا من نص ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة، ولا من حجة عقل أصلا، ولا من إجماع ولا من قياس، ولا من قول أحد من السلف قبل اللعين جهم بن صفوان، وما كان هكذا فهو باطل وإفك وزور، فسقط قولهم هذا من قرب ولله الحمد رب العالمين. فكيف والبرهان قائم بإبطال هذه الدعوى من القرآن والسنن والإجماع والمعقول والحس والمشاهدة الضرورية. اهـ.
والمقصود أن قصر الكفر بالسب على المستحل أو القاصد للإهانة إنما هو من لوث الجهمية والمرجئة، فمجرد قصد الكلام اختيارا حاكم بكفر الساب عند أهل السنة.
ولابد من إدراك مذهب المرجئة في ذلك حذرا من الوقوع فيه، وإلا فكثير من المتأخرين قد وقع في ذلك، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كثير من المتأخرين لا يميزون بين مذاهب السلف وأقوال المرجئة والجهمية، لاختلاط هذا بهذا في كلام كثير منهم، ممن هو في باطنه يرى رأي الجهمية والمرجئة في الإيمان، وهو معظم للسلف وأهل الحديث فيظن أنه يجمع بينهما، أو يجمع بين كلام أمثاله وكلام السلف. اهـ.
وقد بين رحمه الله مجمل أغلاط هؤلاء وأصول المآخذ التي عليهم فقال: قول القائل: الطاعات ثمرات التصديق الباطن، يراد به شيئان: يراد به أنها لوازم له، فمتى وجد الإيمان الباطن وجدت، وهذا مذهب السلف وأهل السنة. ويراد به أن الإيمان الباطن قد يكون سببا، وقد يكون الإيمان الباطن تاما كاملا وهي لم توجد، وهذا قول المرجئة من الجهمية وغيرهم، وقد ذكرنا فيما تقدم أنهم غلطوا في ثلاثة أوجه:
أحدها: ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون العمل الذي في القلب تصديق بلا عمل للقلب، كمحبة الله وخشيته وخوفه، والتوكل عليه والشوق إلى لقائه.
والثاني: ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون العمل الظاهر، وهذا يقول به جميع المرجئة.
والثالث: قولهم: كل من كفره الشارع فإنما كفره لانتفاء تصديق القلب بالرب تبارك وتعالى. اهـ.
وضبط هذا الموضع يحل إشكالات كثيرة، وكذلك قول شيخ الإسلام: وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله. اهـ.
وقد قال ابن القيم في القصيدة النونية عن اعتقاد المرجئة ولوازمه الشنيعة:
وكذلك الإرجاء حين تقر بالـ ـمعبود تصبح كامل الإيمان.
فارم المصاحف في الحشوش وخرب الـ ـبيت العتيق وجد في العصيان.
واقتل إذا ما اسطعت كل موحد وتمسحن بالقس والصلبان.
واشتم جميع المرسلين ومن أتوا من عنده جهرا بلا كتمان.
وإذا رأيت حجارة فاسجد لها بل خر للأصنام والأوثان.
وأقر أن الله جل جلاله هو وحده الباري لذي الأكوان.
وأقر أن رسوله حقا أتى من عنده بالوحي والقرآن.
فتكون حقا مؤمنا وجميع ذا وزر عليك وليس بالكفران.
هذا هو الإرجاء عند غلاتهم من كل جهمي أخي الشيطان.
وقد بين ذلك أيضا أئمة السنة في هذا العصر وأوضحوه، ومن ذلك قول العلامة ابن باز رحمه الله في معرض التعليق على قول الطحاوي: ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه. قال: هذا الحصر فيه نظر، فإن الكافر يدخل في الإسلام بالشهادتين إذا كان لا ينطق بهما، فإن كان ينطق بهما دخل الإسلام بالتوبة مما أوجب كفره، وقد يخرج من الإسلام بغير الجحود لأسباب كثيرة بينها أهل العلم في باب حكم المرتد، من ذلك طعنه في الإسلام أو في النبي صلى الله عليه وسلم أو استهزاؤه بالله ورسوله أو بكتابه أو بشيء من شرعه سبحانه، لقوله سبحانه: قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم. {التوبة: 65- 66}... وهناك مسائل أخرى كثيرة يكفر بها المسلم وهي لا تسمى جحودا، وقد ذكرها العلماء في باب حكم المرتد فراجعها إن شئت. اهـ.
وسئل الشيخ عن من يقول: إن الكفر لا يكون إلا بالتكذيب والجحود، ويستدل على ذلك بقوله تعالى: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان. {النحل:106}. فأجاب رحمه الله: ليس هذا بصحيح، بل ذكر أهل العلم في باب حكم المرتد أنواع الردة، فمن أتى بالكفر قولا أو عملا أو اعتقادا كفر، هذا هو المعروف عند أهل العلم في باب حكم المرتد، إلا المكره. فإذا سب الدين، أو سب الله، أو سب الرسول، أو ترك الصلاة، أو سجد لغير الله، أو دعا غير الله، فقد كفر ولو قال: إني لا أستبيحها، متى فعلها كفر.. وهكذا من سب الله وسب الرسول أو استهزأ بالدين كفر ولو قال: ما أستحلها، فلا يصدق، بل حكمه حكم الكفر كما صرح العلماء بذلك، وليس في هذا نزاع بين أهل العلم. اهـ.
ثم نختم هذه المسألة بالتنبيه على أمر قد اشتبه على بعض الناس فقالوا باشتراط كون الساب قاصدا للسب، وهذا قد ظهر بطلانه بما سبق. وإنما الذي يصح هو اشتراط قصد الكلام لا قصد السب، بمعنى أن يزول عارض الخطأ والذهول وما في معنى ذلك مما يلغي قصد المتكلم لكلامه، وقد أوضح ذلك العلامة ابن عثيمين فقال في فتاوى نور على الدرب: من سب دين الإسلام فهو كافر سواء كان جادا أو مازحا حتى وإن كان يزعم أنه مؤمن فليس بمؤمن... إذا كان قد قصد الكلام، فإن من سب دين الإسلام جادا أو مازحا فإنه كافر كفرا مخرجا عن الملة، عليه أن يتوب إلى الله عز وجل.. ويقلع عما صنع وأن يعظم دين الله عز وجل في قلبه حتى يدين الله به وينقاد لله بالعمل بما جاء في هذا الدين. أما شيء سبق على لسانه بأن كان يريد أن يمدح الدين فقال كلمة سب بدون قصد بل سبقا على اللسان فهذا لا يكفر، لأنه ما قصد السب بخلاف الذي يقصده وهو يمزح.. ولهذا ثبت في الصحيح في قصة الرجل الذي كان في فلاة فأضاع راحلته وعليها طعامه وشرابه فلم يجدها ثم نام تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بناقته على رأسه فأخذ بزمامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح. فلم يؤاخذ، لأن هذا القول الذي صدر منه غير مقصود له بل سبق على لسانه فأخطأ من شدة الفرح.. فيجب أن نعرف الفرق بين القصد وعدمه، يجب أن نعرف الفرق بين قصد الكلام وعدم قصد الكلام، ليس بين قصد السب وعدم قصده، لأن هنا ثلاثة مراتب:
المرتبة الأولى: أن يقصد الكلام والسب، وهذا فعل الجاد..
المرتبة الثانية: أن يقصد الكلام دون السب، بمعنى يقصد ما يدل على السب لكنه مازحا غير جاد، فهذا حكمه كالأول يكون كافرا، لأنه استهزاء وسخرية.
المرتبة الثالثة: أن لا يقصد الكلام ولا السب، وإنما يسبق لسانه فيتكلم بما يدل على السب دون قصد إطلاقا، لا قصد الكلام ولا قصد السب، فهذا هو الذي لا يؤاخذ به... فالكفر ولو كان غير قاصد للسب يكفر ما دام قصد الكلام واللفظ. اهـ.
وقال الشيخ الفوزان: كل عمل لابد أن يصاحبه قصد، فلا يعتد بعمل الناسي والنائم والصغير والمجنون والمكره لعدم القصد. اهـ.
ومن هذه العوارض المعتبرة: غضب الإغلاق الذي يفقد صاحبه عقله ويجعله في حكم المجنون الذي لا يعي ما يقول ولا يضبطه، وقد سبق لنا التنبيه على ذلك في الفتاوى: 143449، 17875، 28028.
وقال الشيخ العثيمين في لقاءات الباب المفتوح: من سب الله أو رسوله أو دينه أو كتابه جادا كان أو هازلا فهو كافر. أما من فعل ذلك غاضبا وهو لم يملك نفسه ولا يدري ما يقول فإنه لا يكفر، لأنه لا اعتداد بقوله بل هو حكم المجنون. اهـ.
وأما بالنسبة لما نسب في السؤال للشيخ الألباني وأن عقيدته في الإيمان متذبذبة بين عقيدة المرجئة وعقيدة الجهمية فهذا مما يستغرب، فحتى لو أن الشيخ رحمه الله وافق المرجئة أو غيرهم من أهل البدع في مسألة من المسائل خطأ، فلا يصح أن يوصف بلقبهم ولا أن يوضع في دائرتهم !! وهو من هو في الدفاع عن السنة والانتساب إليها والذب عن حياضها. وراجع الفتوى: 56333.
وهنا ننبه السائل على أمر مهم، وهو أن موقعنا هذا يهدف إلى إسعاف المستفتين بإجابة أسئلتهم واستفساراتهم، وليس معنيا بتقييم الأشخاص والحكم على عقائدهم ومناهجهم. ولذلك فصلنا القول في مسألة سب الله وحكمها، ولم نعطف على تحرير مذهب الشيخ الألباني في هذه المسألة، فإن الحق إذا عرف عرف أهله.
ثم ننصح السائل الكريم بأن لا يتفقه في مثل هذه المسائل العقدية الشائكة إلا على أئمة العلم المشهود لهم بالرسوخ فيه، سواء من المتقدمين أو من المعاصرين، ومما نحيله عليه في ذلك ما سطرته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من فتاوى في التحذير من الإرجاء وبعض الكتب الداعية إليه.
ومما قرأه وقرظه العلامة الشيخ ابن باز من الكتب في هذا الباب كتاب الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد.
والله أعلم.