السؤال
هل يجب الابتعاد عن الألفاظ الموهمة إذا قصدت منها المعنى الصحيح ولم يغلب على ظني أن غيري سيتبادر إلى ذهنه المعنى الخاطئ ؟أيضا ما حكم قول : عزمت أن يحيا بلدي ، الأمر ليس بأيدينا فكيف نعزم عليه ؟كذلك ما حكم قول : لن تشقى معي ؟
هل يجب الابتعاد عن الألفاظ الموهمة إذا قصدت منها المعنى الصحيح ولم يغلب على ظني أن غيري سيتبادر إلى ذهنه المعنى الخاطئ ؟أيضا ما حكم قول : عزمت أن يحيا بلدي ، الأمر ليس بأيدينا فكيف نعزم عليه ؟كذلك ما حكم قول : لن تشقى معي ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فلا شك أن الابتعاد عن الألفاظ الموهمة أمر مطلوب ونافع، وإذا ذكرت فإنه ينبغي أن يذكر معها ما يبين مراد المتكلم؛ قطعا للإشكال وإبراء للذمة، ويتأكد هذا بل ويجب في معرض بيان الأمور المهمة كالمسائل الشرعية والأحوال الاجتماعية العامة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) خلال تقريره صفة الكلام لله تعالى: فهذه المواضع يجب أن تفسر الألفاظ المجملة بالألفاظ المفسرة المبينة، وكل لفظ يحتمل حقا وباطلا فلا يطلق إلا مبينا به المراد الحق دون الباطل، فقد قيل: أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء. وكثير من نزاع الناس في هذا الباب هو من جهة الألفاظ المجملة التي يفهم منها هذا معنى يثبته، ويفهم منها الآخر معنى ينفيه. اهـ. وأما إذا غلب على الظن أن المعنى الصحيح هو المتبادر إلى الذهن بسبب كثرة الاستعمال أو غلبة العرف أو قرائن السياق والأحوال، فلا بأس بالاستعمال دون قيد فإن غلبة الظن في هذا الباب منزلة منزلة اليقين. ثم إنه من المعلوم أن تصريف الكلام على لغة العرب بما فيها من أساليب متنوعة، لا يلام عليه المتكلم، ما دام الخطأ من المستمع والخلل في فهمه، فإنه لا يسعنا أن نتحاكم إلى أفهام الناس، بل المتيسر أن نستعمل الكلام في ما وضع له ولا نخرج عن طريقة العرب في أساليبها، ومثال ذلك ما رواه عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: لما نزلت (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) قال له عدي بن حاتم: يا رسول الله؛ إني أجعل تحت وسادتي عقالين عقالا أبيض وعقالا أسود أعرف الليل من النهار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وسادك لعريض، إنما هو سواد الليل وبياض النهار. متفق عليه. وأما مقولة: (عزمت أن يحيا بلدي) فلا حرج فيها، لأن المتبادر في المعنى هنا هو السعي لتحقيق هذه الحياة المنشودة، وقرينة ذلك هو ما استشكلته السائلة من أن وقوع الأمر بالفعل ليس بأيدينا. ومعلوم أن العزم إنما يكون على ما في الوسع، وهو هنا السعي والاجتهاد. وأما مقولة: (لن تشقى معي) فلا يحكم عليها إلا في سياقها، فإن الشقاء منه ما يقع في الدنيا، ومنه ما لا يقع إلا في الآخرة. ومنه ما يكون بكسب العبد نفسه، ومنه ما يكون بسبب غيره، وقد قال الله تعالى: فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى. {طه: 117}. وقال سبحانه: فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. {طه: 123}. وفي الحديث وصف أهل الذكر بأنهم: الجلساء لا يشقى بهم جليسهم. متفق عليه. والله أعلم.