الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاثة أيام، ويزداد الخطب شدة إذا كان ذلك بين ذوي الرحم، ولو يكونوا قريبين جدا فما إذا كان بين الشقيقتين؟! والهجر والشحناء من أسباب عدم رفع الأعمال إلى الله تعالى، وقد سبق لنا بيان ذلك، فراجعي الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 32914، 25074، 22082، 24983، 138286.
والواجب على كلتا الأختين أن تقطعا هذا الهجر وتسعيا لإصلاح ذات البين وصلة الرحم بما يليق بها، وأقل ما يتصور في هذا هو إلقاء السلام، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك كاف لقطع الهجر المحرم، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 69861.
وذهب آخرون إلى أنها لا تنقطع إلا بالعودة إلى ما كانا عليه قبل التهاجر، وقد استدل الإمام أحمد ـ في ما نقله عنه الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) ـ على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا" وقال: قد يسلم عليه وقد صد عنه0 اهـ.
وقال الحافظ ابن عبد البر في (التمهيد): اختلفوا في المتهاجرين يسلم أحدهما على صاحبه، أيخرجه ذلك من الهجرة أم لا ؟ فروى ابن وهب عن مالك أنه قال: إذا سلم عليه فقد قطع الهجرة. وكأنه ـ والله أعلم ـ أخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" أو من قول من قال: يجزىء من الصرم السلام. وقال أبو بكر الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: إذا سلم عليه هل يجزيه ذلك من كلامه إياه؟ فقال: ينظر في ذلك إلى ما كان عليه قبل أن يهجره، فإن كان قد علم منه مكالمته والإقبال عليه فلا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار. وقد روى هذا المعنى عن مالك، قيل لمالك: الرجل يهجر أخاه ثم يبدو له فيسلم عليه من غير أن يكلمه؟ فقال: إن لم يكن مؤذيا له لم يخرج من الشحناء حتى يكلمه ويسقط ما كان من هجرانه إياه. اهـ.
وهذا الذي أشار إليه بقول من قال: "يجزئ من الصرم السلام" قد روي مرفوعا، رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد بلفظ: "لا يحل لرجل أن يهجر مؤمنا فوق ثلاثة أيام، فإذا مرت ثلاثة أيام فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد برئ المسلم من الهجرة. وبوب عليه: باب إن السلام يجزئ من الصرم.
وهذا الحديث عزاه الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) لأبي داود بسند صحيح اهـ. واستدل به ابن الجوزي في (كشف المشكل) على أن السلام يكفي في قطع الهجرة.
وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح): قال أكثر العلماء: تزول الهجرة بمجرد السلام ورده. وقال أحمد: لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولا. وقال أيضا: ترك الكلام إن كان يؤذيه لم تنقطع الهجرة بالسلام. وكذا قال ابن القاسم. وقال عياض: إذا اعتزل كلامه لم تقبل شهادته عليه عندنا ولو سلم عليه. يعني وهذا يؤيد قول ابن القاسم .. واستدل للجمهور بما رواه الطبراني من طريق زيد بن وهب عن ابن مسعود في أثناء حديث موقوف، وفيه: "ورجوعه أن يأتي فيسلم عليه" اهـ.
والصواب إن شاء الله أن يفرق بين الأقارب والأجانب، فإن الأقارب لا يقف الأمر فيهم مع مجرد قطع الهجر، بل هم مأمورون بالصلة.
قال الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): واختلفوا: هل ينقطع الهجران بالسلام؟ .. اهـ.
وذكر القولين السابقين ثم قال: وفرق بعضهم بين الأقارب والأجانب، فقال في الأجانب: تزول الهجرة بينهم بمجرد السلام، بخلاف الأقارب. وإنما قال هذا لوجوب صلة الرحم. اهـ.
وعلى هذا، فلابد أن تجاهد الأخت السائلة نفسها، وأن تصل أختها، وأن تعود إلى ما كانت عليه معها قبل حصول هذه الوحشة.
وفي ذلك من الأجر شيء عظيم. كما أن عليها مراعاة ما ذكرته من خصائص المرحلة السنية التي تمر بها أختها.
والله أعلم.