السؤال
سؤالي لفضيلتكم هو: لي أبناء عم لم أرهم منذ سنوات عديدة ليس لقطيعة بيننا، ولكن لبعد المسافة من جهة، ولكثرة المشاغل من جهة أخرى، وأعلم أن ذلك ليس بمبرر لعدم الزيارة، ولكن هذا ما حدث والله المستعان. والآن وقد عزمت بمشيئة الله على زيارتهم واجهتني مشكلة، وهي أن أبناء أعمامي كلهم وعددهم خمسة يتاجرون في المخدرات، يزرعونها في أرضهم وهي مصدر عيشهم. فلو أنا زرتهم سأضطر للمبيت عندهم وذلك لبعد المسافة بيننا؛ ولأنهم في البادية لا توجد فنادق هناك، وإذا بت معهم في بيتهم سأضطر للأكل عندهم، وكما ذكرت فمصدر رزقهم حرام كما هو معلوم شرعا، فما حكم الشرع في هذه الحالة ؟ هل أصل الرحم وآكل الحرام؟ أم أكتفي بالهاتف دون الزيارة؟ علما أني لم أزرهم ولم يزوروني منذ عدة سنوات ومن غير قطيعة بيننا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجزاك الله خيرا لحرصك على صلة أبناء عمك ، فقد أمر الشرع بصلة الرحم ونهى عن قطعها، ولا فرق بين الفاسق وغير الفاسق من ذوي الرحم في مشروعية الصلة، كما بيناه في الفتوى رقم: 66144.
ثم اعلم أن الشرع لم يحدد لصلة الرحم أسلوبا معينا أو قدرا محددا، وإنما ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأعراف ،
فتحصل الصلة بالزيارة والاتصال والسلام وكل ما يعده العرف صلة.
قال القاضي عياض: وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لا يسمى واصلا . نقله العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري.
ومن أعظم الصلة لهؤلاء الأقارب أن تنهاهم عن هذا المنكر الشنيع الذي يقومون به، وتبين لهم فداحة جرمهم بالاتجار في المخدرات، وأن ذلك من الكبائر التي تجلب غضب الله، ومن الفساد والإفساد في الأرض، وأن المال الذي يكتسبونه من هذه التجارة مال خبيث محرم، ويمكنك أن تستعين على ذلك ببعض الصالحين ممن تظن أنهم يقبلون قولهم ، فإن لم ينفع ذلك في ردهم عن هذا المنكر، ورأيت أن مقاطعتك لهم تفيد في ردعهم عن المنكر، فلتقاطعهم وتعلمهم أن مقاطعتك لهم بسبب ما هم عليه من المنكر، وإن رأيت أن صلتك لهم أنفع لهم في ذلك فلتصلهم.
ولكن ما دام كل كسبهم من هذه التجارة المحرمة فلا يجوز لك أن تأكل من مالهم شيئا، وإن كانت زيارتهم ستضطرك للأكل من مالهم فلا تزرهم واكتف بالاتصال بهم ونحو ذلك، وعلى كل الأحوال فإن عليك أن تنصح لهم ويتبين لهم الحكم الشرعي في فعلهم ، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 71358.
والله أعلم.