السؤال
لقد قام والدي بجمع ماله للزكاة في بناء المسجد. فهل يجوز هذا لأنه يقول إنه سمع شيخا يقول إن مال الزكاة يمكن بناء مسجد به فإذا كان هذا لا يجوز فكيف أقنع والدي؟
لقد قام والدي بجمع ماله للزكاة في بناء المسجد. فهل يجوز هذا لأنه يقول إنه سمع شيخا يقول إن مال الزكاة يمكن بناء مسجد به فإذا كان هذا لا يجوز فكيف أقنع والدي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالزكاة لها مصارف معينة قد بينها الله تعالى في كتابه في قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم {60}، فلا يجوز صرف الزكاة في غير هذه المصارف، ومصرف سبيل الله مختص بالجهاد عند عامة العلماء، ومن ثم فصرف الزكاة في بناء المساجد غير جائز، وهذا كالإجماع من العلماء.
جاء في حاشية الروض: قال الوزير وغيره: اتفق الأئمة على أنه لا يجوز ولا يجزئ دفع الزكاة في بناء مساجد، وقناطر ونحو ذلك، ولا تكفين موتى ونحوه، وإن كان من القرب، لتعيين الزكاة لما عينت له. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية: ذهب الفقهاء إلى أنه لا يجوز صرف الزكاة في جهات الخير غير ما تقدم بيانه، فلا تنشأ بها طريق ولا يبنى بها مسجد ولا قنطرة، ولا تشق بها ترعة، ولا يعمل بها ساقية، ولا يوسع بها على الأصناف، ولم يصح فيه نقل خلاف عن معين يعتد به، وظاهر كلام الرملي أنه إجماع، واحتجوا لذلك بأمرين: الأول: أنه لا تمليك فيها، لأن المسجد ونحوه لا يملك، وهذا عند من يشترط في الزكاة التمليك.
والثاني: الحصر الذي في الآية، فإن المساجد ونحوها ليست من الأصناف الثمانية، وفي الحديث المتقدم الذي فيه: إن الله جعل الزكاة ثمانية أجزاء. ولا يثبت مما نقل عن أنس وابن سيرين خلاف ذلك. انتهى.
وزاد العلامة العثيمين دليل هذه المسألة إيضاحا فقال في الشرح الممتع ما عبارته: فأما تخصيصه بالجهاد في سبيل الله فلا شك فيه، خلافا لمن قال: إن المراد في سبيل الله كل عمل بر وخير، فهو على هذا التفسير كل ما أريد به وجه الله، فيشمل بناء المساجد، وإصلاح الطرق، وبناء المدارس، وطبع الكتب، وغير ذلك مما يقرب إلى الله عز وجل لأن ما يوصل إلى الله من أعمال البر لا حصر له.. ولكن هذا القول ضعيف لأننا لو فسرنا الآية بهذا المعنى لم يكن للحصر فائدة إطلاقا والحصر هو (إنما الصدقات للفقراء..) الآية وهذا وجه لفظي.
أما الوجه المعنوي فلو جعلنا الآية عامة في كل ما يقرب إلى الله عز وجل لحرم من الزكاة من تيقن أنه من أهلها، لأن الناس إذا علموا أن زكاتهم إذا بني بها مسجد أجزأت بادروا إليه لبقاء نفعه إلى يوم القيامة.. فالصواب: أنها خاصة بالجهاد في سبيل الله. انتهى.
وبهذا البيان يتضح لك خطأ ما سمعه أبوك من هذا الشيخ، وأن الواجب عليه أن يصرف الزكاة في مصارفها التي عينها الله عز وجل، وعليك أن تناصحه وتبين له ما ذكرناه من كلام العلماء، فإن الظن أنه سينتصح إن شاء الله، فإن بينت له فقد فعلت ما وجب عليك وليس عليك شيء بعد هذا.
والله أعلم.