السؤال
أنا من تونس وأريد أن أستفتيكم بارك الله فيكم: فمنذ سنتين ظهرت عندي بعض الأعراض الجسدية ـ كالحمى ـ فقال لي البعض إنها أعراض مرض خبيث وتبين لي أنها أعراض بسيطة ولا صلة لها بالمرض الخبيث، لكن بينما أنا أواجه تلك الأعراض نذرت لربي نذرا ونطقت به وقلت: إن شفاني الله من هذا المرض الخبيث فسأقسم مرتبي عاما كاملا نصفين نصفا لي ونصفا للفقراء والمساكين ـ لكن في ليلة من اليالي اشتدت بي الحمى فقلت: بدل العام سأجعلهما عامين اثنين بدل عام واحد ـ وكان نذري الثاني نتيجة الخوف الشديد والفزع والآن تبين لي أن النذر الثاني سيثقل كاهلي قليلا، علما بأنني أريد الزواج قريبا، وسؤالي هو: هل يجوز لي أن أحتفظ بالنذر الأول ـ أي عاما واحدا ـ علم بأنني مواظب عليه ولا أفعل النذر الثاني ـ أي العام الثاني ـ بالنظر إلى الحالة التي نطقت بها هذا النذر؟.
وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد
فمن نذر نذرا لله عز وجل وجب عليه الوفاء بنذره، فقد مدح الله المؤمنين بأنهم يوفون بنذورهم، فقال تعالى: يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا {الإنسان: 7 }.
وقال تعالى: وليوفوا نذورهم {الحج: 29}.
وقال صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه. رواه البخاري وأصحاب السنن ، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، وقد ذكر ابن قدامة من أنواع الطاعة والتبرر: التزام طاعة في مقابلة نعمة استجلبها، أو نقمة استدفعها، كقوله: إن شفاني الله فلله علي صوم شهر ـ فتكون الطاعة الملتزمة مما له أصل في الوجوب بالشرع كالصوم والصلاة والصدقة والحج، فهذا يلزم الوفاء به بإجماع أهل العلم. انتهى ، وأخرج أبو داود في سننه وابن ماجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نذر نذرا ولم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا لم يطقه فكفارته كفارة يمين ، وزاد ابن ماجه في روايته: ومن نذر نذرا أطاقه فليف به.
قال الشوكاني في نيل الأوطار: النذور المسماة إن كانت طاعة، فإن كانت غير مقدورة ففيها كفارة يمين وإن كانت مقدورة وجب الوفاء بها ـ سواء كانت متعلقة بالبدن، أو بالمال ـ وإن كانت معصية لم يجز الوفاء بها ولا ينعقد ولا يلزم فيها الكفارة، وإن كانت مباحة مقدورة فالظاهر الإنعقاد ولزوم الكفارة، لوقوع الأمر بها في أحاديث الباب في قصة الناذرة بالمشي، وإن كانت غير مقدورة ففيها الكفارة، لعموم: ومن نذر نذرا لم يطقه ـ هذا خلاصة ما يستفاد من الأحاديث الصحيحة. انتهى.
وينبغي أن يحذر السائل على نفسه من أن يكون له نصيب من قوله تعالى: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين* فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون* فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون {75-76-77}.
أو نصيب من قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن. متفق عليه.
والله أعلم.