السؤال
ما حكم الدعاء في السجود والركوع؟ وهل هو واجب أم سنة؟ وهل تبطل الصلاه بترك الدعاء في السجود والركوع؟ وهل يجوز لي الدعاء في أموري الخاصة؟.
ما حكم الدعاء في السجود والركوع؟ وهل هو واجب أم سنة؟ وهل تبطل الصلاه بترك الدعاء في السجود والركوع؟ وهل يجوز لي الدعاء في أموري الخاصة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فالدعاء في الركوع غير واجب، وقد كرهه بعض أهل العلم والصحيح أنه مستحب، وقد بوب البخاري في صحيحه باب: الدعاء في الركوع ـ وذكر فيه حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم أغفر لي. قال ابن رجب ـ رحمه الله: وأما الدعاء في الركوع، فقد دل حديث عائشة الذي خرجه البخاري هاهنا على استحبابه، وعلى ذلك بوب البخاري هاهنا، وهو قول أكثر العلماء، وروي عن ابن مسعود وقال مالك: يكره الدعاء في الركوع دون السجود، واستدل بحديث علي عن النبي قال: أما الركوع: فعظموا فيه الرب، وأما السجود: فاجتهدوا فيه في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم. خرجه مسلم. انتهى. وفي الفتح للحافظ ابن حجر: قال ابن دقيق العيد: يؤخذ من هذا الحديث إباحة الدعاء في الركوع وإباحة التسبيح في السجود، ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: أما الركوع: فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء ـ قال: ويمكن أن يحمل حديث الباب على الجواز، وذلك على الأولوية، ويحتمل أن يكون أمر في السجود بتكثير الدعاء لإشارة قوله: فاجتهدوا ـ والذي وقع في الركوع من قوله: اللهم اغفر لي ـ ليس كثيرا فلا يعارض ما أمر به في السجود. انتهى. فهذا حكم الدعاء في الركوع وبيان أنه مشروع على خلاف فيه. وأما الدعاء في السجود: فمستحب بدلالة قوله وفعله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء. رواه مسلم. وتقدم حديث علي عند مسلم. وعند مسلم ـ أيضا ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: اللهم اغفر ذنبي كله، دقه وجله، أوله وآخره، وعلانيته وسره. وخرج النسائي من حديث ابن عباس: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فجعل النبي يقول في سجوده: اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي سمعي نورا... وذكر الحديث بطوله، وخرجه مسلم. وعنده: أنه قال: في صلاته، أو في سجوده ـ بالشك. وفي المسند عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات ليلة في سجوده: رب اغفر لي ما أسررت وما أعلنت. وفيه: عنها ـ أيضا ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات ليلة في سجوده: رب أعط نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. فدلت هذه الأحاديث وغيرها على استحباب الدعاء في السجود وأنه مظنة الإجابة إلا أن يكون إماما فلا ينبغي أن يطول على المأمومين بكثرة الدعاء، قال ابن رجب ـ رحمه الله: وروي عن أحمد رواية أنه قال: لا يعجبني الدعاء في الركوع والسجود في الفريضة. قال بعض أصحابنا: وهي محمولة على الإمام إذا طول بدعائه على المأمومين، أو نقص بدعائه التسبيح عن أدنى الكمال، فأما في غير هاتين الحالتين فلا كراهة فيه، ولا قائل بوجوب الدعاء في السجود فيما نعلم، فهو سنة مستحب لا يأثم من تركه، قال ابن حزم: وأما اجتهاد الدعاء في السجود وقول: سبوح قدوس رب الملائكة والروح ـ فزيادة خير، وحسنة لمن فعلها مع الذي أمر به من التسبيح. انتهى. وللمصلي أن يدعو في سجوده بما شاء، وذهب بعض العلماء إلى أنه لا يدعو بملاذ الدنيا وشهواتها، وأن صلاته تبطل بذلك، والصحيح، أو الصواب أنه جائز داخل في عموم الأمر بالاجتهاد في الدعاء وأن الصلاة لا تبطل به، جاء في الروض مع حاشيته: وليس له الدعاء بشيء مما يقصد به ملاذ الدنيا وشهواتها كقوله: اللهم ارزقني جارية حسناء، أو طعاما طيبا وما أشبهه، وتبطل به، أي تبطل الصلاة بالدعاء به، لأنه من كلام الآدميين، وعنه يجوز الدعاء بحوائج دنياه وملاذها، مما ذكره ونحوه، قال أحمد: لا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه من حوائج دنياه وأخراه، قال الشارح: وهو الصحيح، اختاره شيخنا، لظواهر الأخبار. انتهى. وقال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله: قال بعض الفقهاء ـ رحمهم الله: لو دعا بشيء مما يتعلق بأمور الدنيا بطلت صلاته، لكن هذا قول ضعيف بلا شك، والصحيح: أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلق بأمور الدنيا، وذلك لأن الدعاء نفسه عبادة، ولو كان بأمور الدنيا، وليس للإنسان ملجأ إلا الله، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ـ ويقول: أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ـ ويقول في حديث ابن مسعود لما ذكر التشهد: ثم ليتخير من الدعاء ما شاء ـ الإنسان لا يجد نفسه مقبلا تمام الإقبال على الله إلا وهو يصلي، فكيف نقول: لا تسأل الله وأنت تصلي ـ شيئا تحتاجه في أمور دنياك! هذا بعيد جدا، قد جاء في الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله وشسع النعل: يتعلق بأمور الدنيا، فالصواب بلا شك أن يدعو بما شاء من خير الدنيا والآخرة، وأجمع ما يدعى به في ذلك: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار ـ فإن هذه جامعة لخير الدنيا والآخرة. انتهى. والله أعلم.