نوال العمل بالوساطة بين المشروعية وعدمها

0 280

السؤال

سؤالي عن قضية يقع فيها كثير من الناس، ولكني لم أسمع هذه القضية تثار فقهيا من قبل.
القضية هي أن كثيرا من الناس يحصلون على وظائفهم من خلال الواسطة، ومن يفعل ذلك يكون ربما قد استحوذ على فرصة غيره وهو أكفأ وأجدر منه بهذه الوظيفة.
الآن الواسطة ربما تكون في شركات حكومية أو شركات خاصة، ولكن لا ننسى أن كثيرا من هذه الشركات الخاصة هي شركات مساهمة مملوكة من قبل عدد كبير من المساهمين، ويستحيل أن يعرف إن كانوا جميعا موافقين على توظيف شخص ما من خلال واسطته.
بلا شك أن الاستحواذ على فرصة الغير في العمل وهو أكفأ فإن هذا فعل حرام من قبل كل من يشارك فيه، لكن السؤال المهم بعد ذلك هو ما يترتب على وظيفة العمل المحصلة بهذا الشكل؟ أود أن أوضح بأن هناك فائدتين اثنتين رئيسيتين يحصلهما الجميع من العمل أو الوظيفة؛ أولهما: هي الراتب ( المال ) المحصل لقاء هذه الوظيفة.
أما الفائدة الثانية: فهي الخبرة والمعرفة العملية والعلمية من خلال هذا العمل، وهي أمر مهم بالذات بالنسبة للجديدين على سوق العمل الذين ليس لديهم خبرة أو الطلاب حديثي التخرج من الجامعات؛ لأن هذه الخبرة هي أهم ما تبحث عنه الشركات عند البحث عن موظفين.
خلاصة السؤال هو: هل هاتان الفائدتان أو المكسبان ( المال والخبرة ) حرام؟ الفائدة الأولى لنقل مادية والأخرى معنوية ولكنها بنظري ونظر الكثيرين أثمن وأهم من الفائدة الأولى. لا ننسى بأنه عادة تكون هناك فوائد أخرى: كصقل شخصية العامل من خلال عمله، والأصدقاء الذين يتم التعرف عليهم من خلال العمل، وهؤلاء ممكن أن تحصل عن طريقهم فائدة ما في المستقبل. فما حكم كل ذلك؟
هناك ظلم واضح في مثل هذه القضايا وتعدي على حقوق الغير، فهل هذا يعني حرمة ما اكتسب بعد ذلك مثل المال مثلا، حيث أصبح مالا حراما وما بني على باطل فهو باطل مثله.
أم أنه يتم النظر لهذه المكتسبات على أنها نتيجة للعمل فإن كان هذا العمل مباحا فهذه المكتسبات ومنها المال حلال بغض النظر عما سبق؟ أفيدونا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

 فالوساطة شفاعة وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الشفاعة للناس ورغب في مساعدتهم فقال: اشفعوا تؤجروا... الحديث رواه البخاري ومسلم.

 وقال: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم.

 وقال: من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه. رواه مسلم.

وضابط الشفاعة هو بذل شخص جاهه أو نفوذه أو صلاحية تختص به وبمن هو مثله ـ في سبيل حصول آخر على ما هو من حقه لولا عروض بعض العوارض دونه، فهذا النوع منها مشروع  وهو ما ليس فيه اعتداء على حق الغير ويستحقه المشفوع له.

وأما الشفاعة في أمر محرم كتزوير أو خداع أو ظلم الغير والاعتداء على حقوقهم ونحو ذلك من إحقاق باطل أو إبطال حق فلا تجوز، وقد قال تعالى: من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا {النساء:85}

وبالتالي فالوساطة التي ذكرت قد يكون منها ما هو مشروع وهو أن يكون الشخص المشفوع له ذا أهلية ويستطيع أداء العمل على أتم وجه وأكمله،  وهذا لا حرج فيه على الشافع ولا المشفوع له بخلاف ما ليس كذلك فالشفاعة له إثم، لكن إن أتم العمل وأداه كما ينبغي  فلا يحرم عليه الأجر الذي أعطيه عليه، ولا يأثم باكتساب الخبرة من عمله هذا لأنه حقق المقصود وأتى بالعمل على أتم وجه وإن كان سبيله في الحصول عليه غير مشروع. وأما من نال العمل بوساطة ونحوها وهو مع هذا لا يحسن العمل ولا يؤديه  على الوجه المطلوب فلا يستحق الأجرة عليه، وما اكتسبه من المال لا يحل له، ويأثم هو ومن شفع فيه لشفاعته السيئة. كما قال تعالى: ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها. {النساء:85}.

وأما لو اكتسب خبرة عملية وصار يتقن العمل فلا حرج فيما يكتسبه من أجر عليه ولا يحرم عليه العمل بمقتضى خبرته وعلمه، لأن ذلك حصله بجهده وكسبه.

وأما كون الشركات مملوكة لكثير من المساهمين ولا يعلم رضاهم وقبولهم لتوظيف موظف ونحوه فذلك لا عبرة به، لأنهم وكلوا الإدارة في تلك المهمة وأناطوا بها مسؤولية اختيار العاملين. فإن أحسنت فذاك وإن أساءت فعليها وزر إساءتها وخيانتها للأمانة، وهي ضامنة أيضا إن حصل إتلاف بسبب تفريطها وتوظيفها لمن لا يحسن العمل ولا يؤديه.

وعلى كل فليس كل من يشفع له لا يتقن العمل ولا يحسنه بل ربما يكون أكثر كفاءة وأغزر علما من غيره ممن نال الوظيفة بغير شفاعة.

 وأما شرط حصول العلم بعدم وجود من هو أكفأ وأعلم فلا يمكن اشتراطه لتعذره لأنه لا يتم إلا بالاستقراء التام، ولا يمكن أن نكلف كل متقدم لعمل عن طريق الوساطة أن يستقرأ ويستفرغ جهده في البحث عن مستحق أولى منه بهذا العمل.

وللفائدة انظر الفتوى رقم: 65361.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة