الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل في المسلم ـ فضلا عن أهل العلم ـ السلامة والبراءة حتى يثبت خلاف ذلك، فإساءة الظن واتهام الجميع خطأ جسيم وظلم عظيم، يربأ المسلم بنفسه عنه.
وما أحسن ما قاله العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ليس كل عالم يكون ثقة، فالعلماء ثلاثة: علماء ملة، وعلماء دولة، وعلماء أمة. أما علماء الملة - جعلنا الله وإياكم منهم - فهؤلاء يأخذون بملة الإسلام وبحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يبالون بأحد كائنا من كان. وأما علماء الدولة فينظرون ماذا يريد الحاكم، يصدرون الأحكام على هواه، ويحاولون أن يلووا أعناق النصوص من الكتاب والسنة حتى تتفق مع هوى هذا الحاكم، وهؤلاء علماء دولة خاسرون، وأما علماء الأمة فهم الذين ينظرون إلى اتجاه الناس، هل يتجه الناس إلى تحليل هذا الشيء فيحلونه، أو إلى تحريمه فيحرمونه، ويحاولون أيضا أن يلووا أعناق النصوص إلى ما يوافق هوى الناس. اهـ.
وعلى أية حال، فالحجة في الوحي المعصوم من كتاب الله وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالإسلام هو الحكم والحجة على الناس جميعا عالمهم وجاهلهم، وليس أحد حجة على الإسلام، فالعالم قد يخطئ ويزل، والمنافق قد يجادل ويخاصم، وأئمة الضلال يبدلون ويغيرون، ويبقى الإسلام هو الحق المحض، وقد قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يهدم الإسلام زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين. رواه الدارمي.
وأما ما ذكره السائل من انسجام الإنسان مع ما يهتم به من دراسات، وأنه يكفيه أداء المستطاع من أركان الدين من صلاة وزكاة وحج ...
فهذا إن كان المراد به أن أداء فرائض الإسلام واجتناب محارمه يكفي المسلم، ولا يتحتم عليه الاستزادة من الخير بفعل المستحبات ـ فهذا حق؛ فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا. فقال: أخبرني ما فرض الله علي من الصيام. فقال: شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا. فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة. فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم شرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق. رواه البخاري.
وأما إن كان المراد أن المسلم إذا أتى بأركان الإسلام من الشهادتين والصلاة والصيام والزكاة والحج، فلا عليه أن يترك بعد ذلك من شرائع الإسلام ما شاء، وأن يفعل من المحرمات ما شاء، فهذا باطل قطعا، فقد ذم الله من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، وتوعدهم بوعيد شديد فقال: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون {البقرة: 85}
ولا يخفى أن الوقوع في الصغائر خطوة من خطوات الشيطان للوقوع في الكبائر، وقد قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم { البقرة:209،208}
قال السعدي: هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا {في السلم كافة} أي: في جميع شرائع الدين، ولا يتركوا منها شيئا، وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه، إن وافق الأمر المشروع هواه فعله، وإن خالفه تركه .. ولما كان الدخول في السلم كافة لا يمكن ولا يتصور إلا بمخالفة طرق الشيطان قال: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} أي: في العمل بمعاصي الله {إنه لكم عدو مبين} والعدو المبين لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء وما به الضرر عليكم. ولما كان العبد لا بد أن يقع منه خلل وزلل قال تعالى: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات} أي: على علم ويقين {فاعلموا أن الله عزيز حكيم} وفيه من الوعيد الشديد والتخويف ما يوجب ترك الزلل، فإن العزيز القاهر الحكيم، إذا عصاه العاصي قهره بقوته، وعذبه بمقتضى حكمته، فإن من حكمته تعذيب العصاة والجناة. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: