الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يدرك المرء بنيته الصادقة أجر العامل إن منعه عذر من العمل

السؤال

إذا أراد الإنسان فعل طاعة ما، كتحصيل العلم الشرعي، وسعى في ذلك، لكن لديه ظروف تمنعه من ذلك، كامرأة مثلا، لا تستطيع الخروج والاختلاط بالرجال، أو رجل يعمل طول النهار عملا شاقًّا، وليس لديه وقت.
هل من الممكن أن يجازيهما الله بثواب طالب العلم الشرعي، طالما كانت لديهما النية الجادة لذلك، وحاولا، ولم يمنعهما سوى الظروف الخارجة عن إرادتيهما؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنَّ المرء يدرك بنيته الصادقة أجرَ العامل، وإن فاته العمل، وقد دلت على ذلك نصوص الشريعة؛ فإذا صدقت نية العبد، وعلم الله أنه كان فاعلًا للعمل الصالح لو أمكنه ذلك؛ بلَّغه منازل العاملين، وأناله أجرهم.

فعن أبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ. وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ. وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ. وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ. رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّيَ مِنْ اللَّيْلِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ حَتَّى يُصْبِحَ، كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ. رواه ابن ماجه، وقال الأرناؤوط: حديث حسن.

والآثار في هذا المعنى كثيرة، فليستبشر مَن نوى الخير وحرص عليه، فالله -تعالى- يثيبه بنيته ثوابًا عظيمًا.

فمن فاته شرف العمل، فلا يفُتْه تحصيل ثوابه بالنية، ولكن مَن وفقه الله -تعالى- للعمل؛ فإنَّه يحصل له من مضاعفة الثواب ما لا يحصل للناوي، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: قَال: إِنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. متفق عليه.

وروى البخاري في صحيحه، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي غَزَاةٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلاَ وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ.

قال الحافظ ابن حجر في كتابه (فتح الباري): وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَوَابَ، وَتَقْدِيرُهُ فَلَهُ أَجْرُ الْغَازِي إِذَا صَدَقَتْ نِيَّتُهُ. انتهى.

وبخصوص طلب العلم، فقد تيسرت أسبابه في هذا الزمان، وبإمكان المرأة أن تلتحق بدارسة منهجية عبر الإنترنت، أو تستمع لدروس العقيدة والفقه، وسائر الفنون دون أن تخرج من بيتها، أو تختلط بالرجال.

هذا، ومما ينبغي أن يعلم أن علوم الشريعة متفاوتة في أهميتها، وفي حاجة العبد إلى تعلمها، ومن العلوم ما تعلمه فرض عين على كل مكلف، ومنها ما ليس كذلك.

وانظري الفتوى: 15872.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني