السؤال
رجل له والدان فاسقان، هل يجوز له مساكنتهم ومجامعتهم في البيت؛ علما أنهم لا يجاهرون أمامه بالمعاصي، ووجوده في البيت له أثر من حيث تقليل المعاصي؟ ومامعنى حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) (لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم. هل هو محمول على التحريم أو الكراهه خاصة إذا كانت السلطة والكلمة للمسلم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن بر الوالدين والإحسان إليهما من الحقوق الواجبة على الأولاد، لا فرق في ذلك بين أن يكونا طائعين لله تعالى أو عاصيين له، وانظر في ذلك الفتوى رقم: 56766.
وعليه، فإن سكنى هذا الرجل مع والديه لا حرج فيه، بل هو أمر حسن ؛ لما يترتب عليه من إدخال السرور عليهما، فإن حضور الولد مع والديه وملازمته لهما من نعم الله العظيمة على الوالدين، وقد امتن الله سبحانه على الوليد بن المغيرة بأن جعل له بنين شهودا، قال سبحانه: ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا {المدثر : 11 , 12 , 13}
قال الألوسي: حضورا معه بمكة يتمتع بمشاهدتهم. انتهى.
فإن رأى الولد من والديه أو من أحدهما منكرا فواجب عليه أن ينكره بالضوابط التي بيناها في الفتوى رقم: 58137 والفتوى رقم: 148125.
أما هذا الحديث المذكور فقد أخرجه أبو داود والترمذي، ولكنه لا يشمل الحالة المسئول عنها، فإنه نص في مساكنة المشركين وليس الفساق.
ومعنى الحديث كما أفاده الشراح: وجوب الهجرة من ديار الكفر لمن عجز عن إقامة شعائر دينه.
جاء في فيض القدير عند شرح هذا الحديث " وأفاد الخبر وجوب الهجرة أي على من عجز عن إظهار دينه وأمكنته بغير ضرر" انتهى.
وقد سبق الكلام عن هذا الحديث وسبب وروده، وهل يدخل ضمنه الوالدان، وذلك في الفتوى رقم: 150797.
وسبق أن بينا في فتاوى كثيرة أن الإقامة في بلاد الكفار لا حرج فيها لمن كانت له حاجة وأمن الفتنة وقدر على إقامة شعائر دينه، وإن كان الأولى ترك هذا بالكلية والإقامة بين المسلمين.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى " فالإقامة في بلاد الكفر لابد فيها من شرطين أساسيين :
الشرط الأول : أمن المقيم على دينه بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه، والحذر من الانحراف والزيغ، وأن يكون مضمرا العداوة للكافرين وبغضهم، مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم ، فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان .الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع ، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة ، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين ، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ" انتهى.
وأما حكم مساكنة المشركين في بلادهم فيختلف باختلاف حال المكلف، فمن وجبت عليه الهجرة فإقامته في بلاد الكفر محرمة، ومن استحبت له الهجرة فإقامته في بلاد الكفر مكروهة أو خلاف الأولى، ولبيان هذه الحالات ننقل كلام الفقيه الحنبلي ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى. حيث قال في المغني " إذا ثبت هذا، فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب : أحدها : من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة لقول الله تعالى : { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا } وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته وما لا يتم الواجب به فهو واجب ......... الثالث : من تستحب له ولا تجب عليه وهو من يقدر عليها لكنه يتمكن من إظهار دينه واقامته في دار الكفر فتستحب له. انتهى.
والله أعلم.