السؤال
أعمل في دائرة حكومية، وفي المكتب الذي أعمل فيه يوجد عدد من الموظفات. حدث خلاف بيني وبين إحداهن، أريد أن أسأل هل لو لم أتحدث معها أبدا، ولم أسع في الإصلاح هل علي إثم؟ وهل ينطبق علي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن المتخاصمين الذين لا يرفع عملهما حتى يتصالحا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أن يبتعد الرجل عن الاسترسال في الكلام مع الأجنبيات لغير حاجة؛ لأنه ذريعة إلى الوقوع في الحرام، ولا سيما بين الشباب فلا يسوغ لهذا الرجل أن يسترسل مع النساء في حديث خارج نطاق العمل، بل يقتصر على السلام مع غض البصر إن أمن الفتنة. قال ابن حجر معلقا على قول البخاري في صحيحه باب تسليم الرجال على النساء والنساء على الرجال: والمراد بجوازه أن يكون عند أمن الفتنة. فتح الباري.
وقال العلامة الخادمي رحمه الله في كتابه: بريقة محمودية -وهو حنفي- قال: التكلم مع الشابة الأجنبية لا يجوز بلا حاجة لأنه مظنة الفتنة. اهـ
وقد بينا ذلك بالتفصيل في الفتاوى التالية أرقامها: 109089، 71506، 3672.
وينبغي الحرص على سلامة القلوب، وعدم وجود الأضغان بين المسلمين، والسعى في الصلح بين المختلفين. وأما تعمد المقاطعة الكلية بين المسلمين والإعراض عن الصلح فهو ممنوع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا. رواه مسلم. وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام .
اللهم إلا أن تكون المخالطة تجلب على المرء شرا في دينه أو دنياه، فإن القطيعة حينئذ تجوز كما بينا في فتاوى كثيرة، ويمكنك مراجعة فتوانا رقم: 65051.
ويخشى على من يقاطع أخاه المسلم بسبب العداوة والتباغض من الدخول في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا.
والمراد بالشحناء العداوة؛ كما قال عياض وابن عبد البر، وابن الأثير وابن الجوزي والباجي.
ونرجو إذا حصل السلام بين المتهاجرين أن ينتهي الأمر، فقد نص أهل العلم على أن صورة الهجر المحرم أن يجتمع المتخاصمان مع الإعراض والصدود وعدم الكلام، جاء في شرح صحيح البخاري ـ لابن بطال: معنى الهجرة هو ترك الرجل كلام أخيه مع تلاقيهما واجتماعهما وإعراض كل واحد منهما عن صاحبه مصارمة له وتركه السلام عليه، وذلك أن من حق المسلم على المسلم إذا تلاقيا أن يسلم كل واحد منهما على صاحبه، فإذا تركا ذلك بالمصارمة فقد دخلا فيما حظر الله، واستحقا العقوبة إن لم يعف الله عنهما. انتهى.
وقال ابن حجر: قال أكثر العلماء: تزول الهجرة بمجرد السلام ورده، وقال أحمد: لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أولا، وقال أيضا: ترك الكلام إن كان يؤذيه لم تنقطع الهجرة بالسلام، وكذا قال ابن القاسم. فتح الباري لابن حجر.
والله أعلم.