السؤال
لماذا مذهب ابن حزم مرفوض بأن الطلاق لا يقع إلا بالنية مع الألفاظ الصريحة ولا يقع كناية؟ أليس الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات وإن لكل امرئ ما نوى؟ ولم يستثن الطلاق الصريح، فهل ابن حزم عنده أيضا الطلاق المعلق لا يقع إلا بنية؟ ولماذا لا يستخدم هذا المذهب إذا كان ابن حزم فقيها معتبرا؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمذهب ابن حزم أن صريح الطلاق لا يقع إلا مع النية مستدلا بالحديث الذي أشرت إليه، كما جاء في كتابه المحلى، حيث قال: لا يقع طلاق إلا بلفظ من أحد ثلاثة ألفاظ: إما الطلاق، وإما السراح، وإما الفراق إلى أن قال: هذا كله إذا نوى به الطلاق. انتهى.
وهذا المذهب مخالف لإجماع أهل العلم، جاء في المغني لابن قدامة: وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه، نواه، أو لم ينوه قد ذكرنا أن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية، بل يقع من غير قصد، ولا خلاف في ذلك، ولأن ما يعتبر له القول يكتفى فيه به، من غير نية، إذا كان صريحا فيه، كالبيع وسواء قصد المزح، أو الجد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة ـ رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن ـ قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء. انتهى.
واستدلال ابن حزم بالحديث المذكور ليس في محله وقد كفانا الشيخ ابن عثيمين مؤنة الرد عليه فمن الحسن نقل كلامه هنا لما فيه من الفائدة، قال: فإذا وقع الطلاق من أهله فإنه يقع بالصريح قوله: وإن لم ينوه ـ يعني وإن لم ينو الطلاق، مثل إنسان قال لزوجته: أنت طالق، وما نوى شيئا ولا نوى الطلاق، وهو يعرف أن معنى أنت طالق أنني فارقتك، فإنه يقع الطلاق به وإن لم ينوه، وذلك لأنه فراق معلق على لفظ فحصل به، وليس عملا يتقرب به الإنسان إلى ربه حتى نقول: إنما الأعمال بالنيات، فمتى وجدتم الفراق مثل البيع والشراء والإجارة والهبة إذا حصل من الإنسان ولو لم ينو ما دام وجد اللفظ، وقال أيضا متحدثا عن طلاق الهازل: فما دام وجد لفظ الطلاق من إنسان عاقل، يعقل ويميز ويدري ما هو، فكونه يقول: أنا ما قصدت أنه يقع، فهذا ليس إليه، بل إلى الله، هذا من جهة التعليل والنظر، أما من جهة الأثر فحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة ـ وفي رواية: والعتق إلى أن قال: والحديث صححه بعضهم وحسنه بعضهم، ولا شك أنه حجة فنحن نأخذ به، وهو قول عامة الأمة، ثم إن النظر يقتضيه، لأننا لو أخذنا بهذا الأمر وفتحنا الباب لكان كل واحد يدعي هذا لا يبقى طلاق على الأرض. انتهى.
وهذا القدر يكفي للقول بأن مذهب ابن حزم ـ رحمه الله ـ كان مرجوحا في هذه المسألة، كما أن ابن حزم يقول بعدم وقوع الطلاق المعلق مطلقا بدليل أنه مخالف للكتاب والسنة ـ كما قال ـ ويكفي في الرد عليه في هذا أنه مخالف فيه ما أجمعت عليه الأمة، وهو نفسه ممن نقل هذا الإجماع كما ورد في كتابه: مراتب الإجماع ـ وراجع الفتوى رقم: 125064.
وللتعرف على ابن حزم وسبب عدم انتشار مذهبه والأخذ بأقواله راجع الفتاوى التالية أرقامها: 58463، 58853، 152921.
والله أعلم.