الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد تضمن سؤالك عدة أمور،
وقبل الجواب عما سألت عنه نريد أن نزيدك إيضاحا لبعض ما ذكرت أنك قرأته فقد يكون في ذلك الإيضاح جواب عن بعض ما ورد السؤال عنه، وهذا يقتضي التنبيه على ما يلي:
1ـ ما تحصل به الخلوة الشرعية سبق بيانه في الفتوى رقم: 131406، فإذا كانت الخلوة بينك وبين زوجك قد حصلت حسب التفصيل الذي ذكره أهل العلم، فقد وجبت العدة عند الجمهور كما سبق في الفتوى رقم: 43479.
وتبدأ العدة تلقائيا من وقت التلفظ بالطلاق، ولا تحتاج بدايتها لنية منك، وبالتالي فلا وجه لقولك [ لم أعتد ] ولا للتساؤل عن العدة بعد الخلع.
جاء في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: وسئل رحمه الله تعالى عن امرأة معتدة عدة وفاة ولم تعتد في بيتها، بل تخرج في ضرورتها الشرعية، فهل يجب عليها إعادة العدة؟ وهل تأثم بذلك؟ فأجاب العدة انقضت بمضي أربعة أشهر وعشرا من حين الموت، ولا تقضى العدة، انتهى.
وهذا، وإن كان في عدة الوفاة فإنه جار في عدة الطلاق. وراجعي في عدة المطلقة فتوانا رقم: 10424.
2ـ جمهور أهل العلم على أن الرجعة لا تثبت بمجرد الخلوة خلافا للحنابلة، وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 103377رجحان مذهب الحنابلة لقوة دليله، وبناء على ما رجحناه فإن كان زوجك قد ادعى رجعتك أثناء العدة، فإن الرجعة تصح. جاء في المغني لابن قدامة: وإذا ادعى الزوج في عدتها أنه كان راجعها أمس , أو منذ شهر قبل قوله ; لأنه لما ملك الرجعة , ملك الإقرار بها , كالطلاق . وبهذا قال الشافعي , وأصحاب الرأي , وغيرهم. انتهى.
وعلى هذا القول فقد رجعت لعصمته، ولا يجوز لك طلب الخلع إلا لعذر شرعي؛ لقوله صلي الله عليه وسلم : المختلعات هن المنافقات. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما امرأة اختلعت من زوجها من غير بأس لم ترح رائحة الجنة. رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني. وراجعي المزيد في الفتوى رقم: 139956.
3ـ وعلى مذهب الجمهور تكون قد حصلت البينونة بمجرد تلفظ زوجك بالطلاق، ولا يشترط في وقوعه الحصول على وثيقة رسمية تثبته، وإذا بنت منه فلا يجوز له أن يراجعك، ولا تحلين له إلا بعقد جديد، ولست حينئذ محتاجة إلى الخلع، لأنك بعد بينونتك منه لم تعودي في عصمته.
4ـ في خصوص ما ذكرته من تقدم الخطاب إليك فلا إثم عليك فيه إن كنت لم تتعرضي لهم، ولم تسعين في الزواج منهم.
وأما إن كان لك سعي في شيء من ذلك فإنك تأثمين؛ إلا على الرأي القائل ببينوتك من زوجك.
وفي خصوص سؤالك عما إذا كان لك الأخذ بأي من الأراء الواردة في العدة، وما إذا كان يشترط لإيجابها الدخول أم أنه يكفي مجرد الخلوة ...
فجوابه أن العامي ليس له أن يتخير بين الأقوال بمجرد أنه قرأها في كتاب، وإنما يعمل بقول إذا أفتاه به من يثق بعلمه وورعه، وعرف هو قوة دليله إذا كان له علم بمعرفة الدليل.
لكن هذه المسألة لم تعد مطروحة بالنسبة لك، لأن الموضوع قد وصل إلى المحكمة الشرعية كما يبدو، وبالتالي فهي صاحبة الكلمة الفصل فيه؛ لأن حكم القاضي يرفع الخلاف.
والله أعلم.