هل هناك تعارض بين كون الهداية والإضلال بيد الله وكون العبد فاعلا لما يختار

0 307

السؤال

عندي شبهة وأريد الرد عليها بالله عليكم: توجد آيات كثيرة تدل على أن الهداية بيد الله وأن الضلالة بيد الله أيضا فكيف نجمع بين هذه الآيات وحديث الرسول صلي الله عليه وسلم لسيدنا علي لما قال للرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه نترك أعمالنا ونتوكل على كتابنا؟ وكيف أجمع بين هذه الآيات التي فهمت منها أن الهداية من عند الله وبين أن الإنسان مخير وأنه يفعل ما يريد بإرادته؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فعقيدة أهل السنة والجماعة في باب القدر واضحة كوضوحها في غيره من الأبواب، فهم يعتقدون أن الهداية والإضلال بيد الله وحده فهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولا يعني هذا أن العبد مجبر على أفعاله غير مختار لما يفعله فإنه تعالى خلق للعبد مشيئة وإرادة بها يختار فعل ما يريد، وخلق له القدرة على فعل ما يريد فعله ويسره لفعل ما يختاره بإرادته، وأنزل الكتب وأرسل الرسل وقطع المعاذير، لئلا يكون لأحد عليه حجة سبحانه وتعالى، يقول شيخ الإسلام في الواسطية: والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال تعالى: لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ـ وهذه الدرجة من القدر: يكذب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة ويغلو فيها قوم من أهل الإثبات حتى سلبوا العبد قدرته واختياره ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها. انتهى.

 والحديث الذي أشرت إليه يدل على وجوب الاجتهاد في العمل وبذل الوسع في الطاعة وعدم الكسل عن العبادة اتكالا على الكتاب السابق، لأن العبد لا يدري ما قدر له في الأزل، ولذلك قال لهم صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له.

 فلا تعارض البتة بين ضرورة الاجتهاد في الطاعة وبذل الوسع فيها وبين كون ما يفعله العبد مقدرا له في الأزل، يقول الحافظ في الفتح: وفي الحديث إشارة إلى أن المآل محجوب عن المكلف فعليه أن يجتهد في عمل ما أمر به، فإن عمله أمارة إلى ما يؤول إليه أمره غالبا وإن كان بعضهم قد يختم له بغير ذلك كما ثبت في حديث ابن مسعود وغيره، لكن لا اطلاع له على ذلك، فعليه أن يبذل جهده ويجاهد نفسه في عمل الطاعة لا يترك وكولا إلى ما يؤول إليه أمره فيلام على ترك المأمور ويستحق العقوبة. انتهى.

ويقول الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله: والخوض في القدر والتنازع فيه يوقع المرء في متاهات لا يستطيع الخروج منها، وطريق السلامة أن تحرص على الخير وتسعي فيه كما أمرت، لأن الله سبحانه أعطاك عقلا وفهما وأرسل إليك الرسل وأنزل معهم الكتب: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما ـ ولما حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: بأنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار ـ قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له ـ أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى* فسنيسره لليسرى* وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى ـ فأمرهم النبي بالعمل ولم يجوز لهم الاتكال على المكتوب، لأن المكتوب من أهل الجنة لا يكون منهم إلا إذا عمل بعملهم، والعمل باستطاعة المرء، لأنه يعرف من نفسه أن الله أعطاه اختيارا للعمل وقدرة عليه بهما يفعل إن شاء، أو يترك، فها هو الإنسان يهم بالسفر مثلا فيسافر، ويهم بالإقامة فيقيم، وهاهو يرى الحريق فيفر منه، ويرى الشيء المحبوب إليه فيتقدم نحوه، فالطاعات والمعاصي كذلك يفعلها المرء باختياره ويدعها باختياره. انتهى.

ونحن قد أشبعنا القول في القدر في فتاوى كثيرة جدا، ويمكنك الاطلاع على ما أصدرناه من فتاوى في هذا الموضوع بواسطة الدخول إلى العرض الموضوعي للفتاوى وستجد ما يفيدك ـ إن شاء الله.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة