السؤال
أفتونا عن قول بعض أئمة المساجد في دعاء القنوت: اللهم بحق الدماء التي سالت والأرواح التي زهقت انصر أولئك، واهزم أعداءك. ثم يكمل الدعاء؟ وجزاكم الله خيرا.
أفتونا عن قول بعض أئمة المساجد في دعاء القنوت: اللهم بحق الدماء التي سالت والأرواح التي زهقت انصر أولئك، واهزم أعداءك. ثم يكمل الدعاء؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقول الداعي (اللهم بحق كذا) هو من باب التوسل في الدعاء، وفيه تفصيل بحسب ما يتوسل به، فقد يكون قصد القائل أن يتوسل إلى الله بصفة من صفاته، فيكون مشروعا بخلاف ما إذا توسل بحق فلان مثلا، فهذا بدعة عند جمهور العلماء. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 133959.
وقال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية: أما الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره في الدنيا إلى الله تعالى في الدعاء فيه تفصيل، فإن الداعي تارة يقول بحق نبيك أو بحق فلان يقسم على الله بأحد من مخلوقاته، فهذا محذور من وجهين، أحدهما: أنه أقسم بغير الله. والثاني: اعتقاده أن لأحد على الله حقا. ولا يجوز الحلف بغير الله، وليس لأحد على الله حق إلا ما أحقه على نفسه... وهذا ونحوه من الأدعية المبتدعة ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عند أحد من الأئمة رضي الله عنهم، وإنما يوجد مثل هذا في الحروز والهياكل التي يكتب بها الجهال والطرقية، والدعاء من أفضل العبادات، والعبادات مبناها على السنة والاتباع لا على الهوى والابتداع.
وإن كان مراده الإقسام على الله بحق فلان، فذلك محذور أيضا لأن الإقسام بالمخلوق على المخلوق لا يجوز، فكيف على الخالق؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم: من حلف بغير الله فقد أشرك. ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه رضي الله عنهم: يكره أن يقول الداعي: اسألك بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام ونحو ذلك... وتارة يقول: بجاه فلان عندك، يقول: نتوسل إليك بأنبيائك ورسلك وأوليائك، ومراده أن فلانا عندنا ذو وجاهة وشرف ومنزلة فأجب دعاءنا، وهذا أيضا محذور فإنه لو كان هذا هو التوسل الذي كان الصحابة يفعلونه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لفعلوه بعد موته... وتارة يقول: باتباعي لرسولك ومحبتي له وإيماني به وسائر أنبيائك ورسلك وتصديقي لهم ونحو ذلك فهذا من أحسن ما يكون في الدعاء والتوسل والاستشفاع.
فلفظ التوسل بالشخص والتوجه به فيه إجمال، غلط بسببه من لم يفهم معناه، فإن أريد به التسبب به لكونه داعيا وشافعا وهذا في حياته يكون، أو لكون الداعي محبا له مطيعا لأمره مقتديا به، وذلك أهل للمحبة والطاعة والاقتداء فيكون التوسل إما بدعاء الوسيلة وشفاعته وإما بمحبة السائل واتباعه، أو يراد به الإقسام به والتوسل بذاته، فهذا الثاني هو الذي كرهوه ونهوا عنه، وكذلك السؤال بالشيء قد يراد به التسبب به لكونه سببا في حصول المطلوب وقد يراد به الإقسام به. انتهى.
والسؤال بحق الدماء من النوع البدعي، سواء أكان القصد به الإقسام على الله بها أو بحقها، أو كان المراد الاستشفاع بوجاهتها عند الله، وقد سبق لنا بيان أن الأصل في التوسل التوقف حتى يرد الدليل. وذلك في الفتوى رقم: 17593، ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 138103.
والله أعلم.